الإستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط(مرحلة ما بعد أحداث 11سبتمبر)

Abstract

تمتاز منطقة الشرق الأوسط بمكانة كبيرة الأهمية في حسابات الكثير من دول العالم وتأتي في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ،كون هذه المنطقة من أكثر المناطق تتركز فيها المصالح الأمريكية الحيوية التي لايمكن الاستغناء عنها بل أن الولايات المتحدة الأمريكية على أتم الاستعداد لاستخدام قوتها العسكرية في حال تعرض أي من مصالحها في الشرق الأوسط للتهديد.
ولاشك أن الإستراتيجية تجاه الشرق الأوسط لم تكن وليدة أحداث 11 سبتمبر 2001 م بل إن الولايات المتحدة الأمريكية لها إستراتيجية محكمة اتجاه المنطقة تبلورت بصورة واضحة منذ بدأ مرحلة الحرب الباردة والى يومنا هذا ولكن شكلت أحداث 11 سبتمبر علامة ، على الساحة العالمية وفي حقل العلاقات الدولية بالذات ،دفعت بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الإعلان عن إستراتيجية جديدة قوامها ما يسمى ب(الحرب على الإرهاب).
وبالرغم من ارتكاز الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط على مجموعة من الثوابت تتمثل بالتحكم بالنفط والسيطرة عليه والحفاظ على أمن إسرائيل وحماية المصالح الأمريكية الأخرى، إلا أن عالم ما بعد 11 سبتمبر قد أفرز أهداف أمريكية جديدة في المنطقة، مثل ما أدى إلى تغيير وسائل تحقيق أهداف الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط نحو الاستخدام المباشر للقوة العسكرية لحماية هذه الأهداف والحفاظ عليها أو لتحقيق أهداف جديدة أصبحت من صميم هذه الإستراتيجية في المنطقة.
وانطلاقا من ذلك جاء هذا البحث (الإستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر) ليتناول بصورة موجزة هذه الإستراتيجية عبر عدد من المحاور:-
-الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
-تطور الإستراتجية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر.
-أسس الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
-مستقبل الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
المحور الأول: الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط،ما بعد الحرب الباردة
شكل انتهاء الحرب الباردة متغيراً دولياً كبيراً في تأثير على الإستراتيجية الأمريكية في العالم بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص .ونعني بمنطقة الشرق الأوسط (The Middle East) منطقة إقليمية واسعة، تتمتع بمواصفاتها وتراكيبها وتعقيداتها ومسالكها التي ترتبط الشرق بالغرب وتؤلفها مجوعة من أقاليم متنوعة تقع في جنوب غربي آسيا التي تتوسط العالم ، وتمتد فيها بحار عدة لها إستراتيجيتها الدولية وتعد " المنطقة" بالذات من أغنى مناطق العالم بثرواتها النفطية وهي تتوسط الشرقيين الأدنى والأقصى.(1)
وتعتبر منطقة الشرق الأوسط منطقة إستراتيجية من الناحية السياسية والاقتصادية لاحتوائها على أهم المضايق البحرية في العالم (2). يضاف إلى ذلك أن هذه المنطقة تحتوي على أهم المصالح الأمريكية في العالم والمتمثلة بوجود إسرائيل فيها،وغنى منطقة الشرق الأوسط بالنفط حيث امتلاكها لأغرز أنتاج واحتياطي نفطي في العالم، ويوضح المخطط (رقم 1) الأهمية السياسية والاقتصادية لهذه المنطقة.(3)
لقد أسهمت انتهاء الحرب الباردة وما رافقه من متغيرات دولية وإقليمية ، في انجاز معظم أهداف الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ، ذلك أن التغيير الذي جرأ على مستوى المناطق الإقليمية وفي مقدمتها الشرق الأوسط ، من خلال ما أتاحته تحولات النظام الدولي للولايات المتحدة الأمريكية والدول الصناعية المتقدمة من آليات جديدة تستعمل لامتلاك قوة متعاظمة على التحكم بالتفاعلات الداخلية والخارجية للمنطقة وأحداث التغيير الاستراتيجي فيها كون منطقة الشرق الأوسط تعد من أكثر مناطق العالم تأثراً بالتحولات الإستراتيجية في هيكلية المنظومة الدولية.(4) لقد كانت لأحداث 1990 ونهاية الحرب الباردة بين القطبيين الأمريكي والسوفيتي ألأثر البارز في ظهور الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة ، وخاصة بعد نجاح الإدارة الأمريكية في أحداث التعبئة الشاملة والضخمة لقوى التحالف ضد العراق في حرب الخليج الثانية 1991 ،والتي أظهرت أن القوة الأمريكية بنيت على حقيقة كون الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الوحيدة التي تمتلك إمكانات ضخمة جداً في حقول متنوعة عسكرياً وسياسياً واقتصاديا ودبلوماسياً .(5)
إذا فتحت هذه الأحداث الطريق أمام رسم خارطة سياسية واقتصادية جديدة للشرق الأوسط وإقامة (النظام الشرق أوسطي الجديد)، من خلال قاعدة التسويات بين العرب وإسرائيل وعلى ضوء مؤتمر مدريد عام 1991 ،مترفقاً ذلك مع الجهود الأمريكية لإبقاء إسرائيل أقوى من الدول العربية من اجل تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط بعد تدمير قوة العراق التي كانت من وجهة النظر الأمريكية الخطر ألأكبر على أمن ووجود إسرائيل في المنطقة .
لقد طرحت الولايات المتحدة الأمريكية ،في بداية التسعينات ،وبعد انهيار النظام السوفيتي ، مجموعة أفكار وأسس نظمها على أساس أنها النظام العالمي الجديد القائم على ما يسمونه الديمقراطية وحقوق الإنسان ،والانفتاح على العالم الحر تحت مبررات فكرية وإيديولوجية شمولية ،وفرض الهيمنة الأمريكية على مناطق حيوية مثل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي،إذ تم بعد مؤتمر مدريد أتباع منهجية خطيرة بهدف إضعاف قوة العرب السياسية والاقتصادية والثقافية وقدرتهم الدفاعية والتبشير بنظام الشرق الأوسط كنظام إقليمي يكون فيه لأسرائيل دور مركزي ومحاولة فعلية لتهميش الدور العربي الإقليمي وتبديد مصادر قوته الحقيقة.(6) كما سعت الإدارة الأمريكية كزعيمة لذلك النظام من تفكيك بعض الدول العربية والأقاليم نزولاً عند رغبة السلام الإسرائيلي المزعوم ووضع سياسات خاصة لبعض الدول كسياسة الاحتواء المزدوج* باتجاه العراق وإيران.
حيث بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب الخليج الثانية بترسيخ وجودها العسكري المباشر في الشرق الأوسط كجزء تطبيقياً لمبدأ النظام الدولي الجديد .وعلى هذا ألا ساس فان الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة ارتكزت على عدة مفاهيم أهمها:-
أ‌-ردع ودرء أي اعتداء أو عدوان خارجي أو داخلي يضر بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأصدقائها داخل منطقة الخليج العربي وخارجها . ومن الأخطار المحتملة داخل منطقة الخليج العربي التي تحتاج إلى ردع وفقاً للتصور الأمريكي مايلي .
1-ماعبر عنه مسئول أمريكي بالمغامرة العسكرية الإيرانية في الإقليم. ( 7)
2-احتواء العراق وإيران بأتباع سياسة الاحتواء المزدوج ومنع ظهور قوى إقليمية جديدة قادرة عل تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة ،كذلك وضع ترتيبات أمنية جديدة لأمن الخليج العربي والاحتفاظ بتواجد عسكري أمريكي مستمر وبصورة دائمية ،والاستناد إلى حلفاء محليين كإسرائيل وتركيا تمهيداً لربط الشرق الأوسط بتحالف أمني- اقتصادي- عسكري تقوده الولايات المتحدة الأمريكية .(8)
ب‌-بقاء الهيمنة الأمريكية على أسواق النفط والمال والاستثمارات وتشجيع التغلغل السياسي والاقتصادي والثقافي الأمريكي.
ت‌-السعي لتغيير الخطاب السياسي باتجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان، ونبذ كل أشكال الفردية والإرهاب والتعسف والظلم والعمل لإنشاء منظومة اجتماعية جديدة للتطور والتنمية.(9)
ث‌-التطبيع الثقافي والاقتصادي مع إسرائيل من أجل السلام بين العرب وإسرائيل .(10)
وقد ذكر كلينتون إجراءات عدة يمكن أن تؤدي في نظره إلى طريق السلام الدائم منها مايلي .(11)
1-إنهاء العرب وبصورة نهائية، ما أسماه بالمقاطعة الغير قانونية لإسرائيل، التي في نظره تشكل " حربا اقتصاديا"
2-إقامة علاقات اقتصادية وتجارية بين إسرائيل وجيرانها.
3-تشكيل اتفاقيات متعددة الأطراف لحماية البيئة في منطقة الشرق الأوسط مع التأكيد في ضمان حصول كل دولة على تجهيزات كافية من موارد المياه.

وقد استمرت الإستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط على الأسس المذكورة أعلاه والتي ورثت بعضها عن مرحلة الحرب الباردة ،حيث لم يطرأ عليها التغيير بشكل كبير سوى مسالة احتواء النفوذ الشيوعي في المنطقة والذي انتهى الأمر منه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ،إلا إن المسالة التي أصابها التغيير في الإستراتيجية الأمريكية تتمثل بالوسائل والأدوات التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق أهدافها الرئيسية ،بحيث تم تفعيل الاستخدام المباشر للقوة العسكرية في تحقيق الأهداف الأمريكية وترسيخ النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط .

المحور الثاني :- تطور الإستراتجية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر.
تعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ،نقطة حاسمة في إعادة صيغة الإستراتيجية الأمريكية في العالم الإسلامي بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص ، حيث عدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأنها محطة عبور بين نظاميين دوليين مختلفين ،عبور نظام ما بعد الحرب الباردة إلى النظام الجديد ، نظام ما يسمى ب(الحرب على الإرهاب ).(12)
وعلى هذا الأساس كانت إحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ،متغيرا مؤثر على الإستراتيجية الأمريكية العالمية بشكل عام والإستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بشكل خاص ،بحيث أفرزت هذه الأحداث واقع القوة العسكرية كقوة تضبط الأوضاع وإيقاعها على النغمة الأمريكية . وبفعل ما يسمى "الحرب على الإرهاب " صارت الولايات المتحدة الأمريكية تسوق يوميا للجغرافية السياسية الجديدة التي تنوي فرضها على العالم بالقوة العسكرية لتحقيق أهدافها وهيمنتها ،إذ جاء السعي الأمريكي الحثيث لوضع إستراتيجية تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من ترتيب الأوضاع الدولية لصالحها ،فاصدر بوش الابن إعلانه الحر على ما يسمى "بالحرب على الإرهاب" ،حيث كانت نقطة بداية الإستراتيجية الأمريكية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لتوسيع رقعة الهيمنة الأمريكية .(13)
فمنطقة الشرق الأوسط ليست الميدان الذي تظهر فيه الولايات المتحدة الأمريكية قوتها وتجرب أسلحهتا فقط لكنها الموقع الذي تعمم منه الولايات المتحدة الأمريكية لصيغة الجديدة للنظام العالمي الجديد . وما يسمى ب(الحرب على الإرهاب ) ليست إلا ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية للجوء إلى القوة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط (14) ،في هذا الصدد يقول (دانيال بأبيس ) " إن الأصوليين الإسلاميين يتحدون الغرب بقوة وعمق أكبر مما فعله الشيوعيون فهولاء يخالفون سياساتنا " ،ويقول (ادوارد ديجريجيان )مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى " الولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة الباقية والتي تبحث عن إيديولوجية لمحاربتها يجب إن تتجه نحو قيادة حملة صليبية ضد الإسلام "، وهو التعبير نفسه الذي استخدمه بوش الابن في بداية الحملة الأمريكية الجديدة على العالم الإسلامي والتي بدأت بأفغانستان والعراق.(15)
هذه الرؤية كانت قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهو ما يؤكد إن التطورات كانت معدة والأفكار جاهزة وكانت تنتظر لحظة إخراجها المسرحي إلى الوجود وجاءت أحداث سبتمبر لتكون الفرصة السانحة لظهور هذا المخطط . وكما هو واضح فان البعد العقدي واضح في الرؤية الأمريكية التي عبر عنها ساسه ومفكرون بشكل واضح في كتاب مهم عنوانه (أمريكا والإسلام السياسي صدام ثقافات أو صدام مصالح ).(16)