تطبيق القضاء الداخلي للمعاهدات الدولية

Abstract

زالت الفواصل بين الشعوب ، وتلاشت الابعاد بين البلدان ، وتشابكت مصالح الدول ، بشكل جعل الانعزال أو العزلة امراً عسيراً ومتعذراً وامتزجت الثقافات والحضارات حتى اصبحت ملكاً للعالم بأسره ينهل من ينابيعها كل انسان مريداً واكتشفت اسرار الارض فسدد الانسان بصره وعلمه نحو السماء وافلاكها يبغي غزوها وسبر اغوارها ومعرفة مكوناتها. ومع بدأ التطور العلمي الذي اصاب جميع نواحي الحياة ، وعاد على الانسانية بالخير العميم ، فقد تطلب هذا الأمر هدوء في الانظمة السياسية واستقرار في العلاقات الدولية ، وتعاون بين الدول ، ورغبة في خدمة بني الانسان اين كانوا ، والى أي ارض أو عرق أو لون انتموا . في ضوء ذلك فقد كثر اللجوء من قبل الدول الى المعاهدات ، بوصفها احدى الوسائل المهمة التي تنظم العلاقات فيما بين الدولة وغيرها من الدول ، وبدأت تلامس بالتنظيم المسائل الداخلية للدولة ، مما نجم عن ذلك ان القانون الوطني بدأ يفقد حقه الحصري بتنظيم الحياة القانونية الداخلية في داخل الدولة ، واصبحت المحاكم الداخلية تعتمد في دورها في هذا التنظيم على مصادر اخرى الا وهي المعاهدات والاتفاقيات الدولية . وبمعنى اخر ، ان هذا الامتداد للمعاهدات والاتفاقيات الدولية الى المجال الداخلي اوجد ضرورة ان يعطى للقضاء الداخلي دور مهم وحيوي تجاه تطبيق هذه المعاهدات ، وبالتالي امكانية ان يقوم بتحليل نصوص المعاهدة والتحقق من مدى صحة الاجراءات التي رافقت سير ابرام المعاهدة وليشمل هذا التحقق صحة التصديق وحصول النشر لنصوص هذه المعاهدة ليتولد بعد ذلك الالزام لها لتفتح له الابواب اكثر ، ويقوم بمهمة مراقبة مدى مشروعيتها ،سواء اتخذت هذه المراقبة شكل الرقابة الخارجية او الداخلية . ويقوم بمراقبة مدى مطابقة نصوص المعاهدة او الموضوع الذي تناولته بالتنظيم للفلسفة والاتجاهات العامة لذلك البلد مما سوف يجعله أي القاضي ينأى عن تطبيق النصوص التي لاتتوائم مع تلك الفلسفة والاتجاهات العامة في تلك الدولة ، وبعد أن يصل الى النص الواجب تطبيقه على الواقع الذي أستخلصه فأنه قد يتطلب الامر منه ان يقوم بعملية اخرى من شأنها ان تحدد معنى النص وبيان نطاق تطبيقه ، وهذه العملية تسمى بالتفسير، وهي على قدر كبير من الاهمية ، اذ تؤدي بالقاضي ان يصدر قرار فاصل في القضية المعروضة امامه . والقاضي اذ يقوم بهذا كله ، فأنه يقوم بالمهمة التي تدخل اصلاً في عمله القضائي . هذه هي الافكار التي تضمنها بحثنا هذا ، ونحن اذ نسلم بداية بأهمية الموضوع من الناحية القانونية ، فقد أرتأينا ان نناقش هذه الافكار في اطار خطة تحتوي على مبحثين ، حمل الاول عنوان علاقة المعاهدات الدولية بالتشريعات الداخلية ، وتضمن هذا مطلبين ، في الاول بينا كيف تبدأ المعاهدة بالنفاذ في القانون الداخلي ثم تناولنا موقف التشريعات الداخلية من نفاذ المعاهدة في مطلب ثان. في حين حمل المبحث الثاني عنوان الرقابة القضائية على تطبيق المعاهدات الدولية ، وتضمن ايضاً مطلبين ، اولهما ناقش مضمون الرقابة القضائية ، وثانيهما ،تفسير القضاء الداخلي للمعاهدات الدولية .