دورة حياة الدولة وسقوطها في فكر ابن خلدون

Abstract

الإبداع العلمي والفكري في تاريخ الإنسانية هو نتيجة أعمال وجهود العديد من العلماء والمفكرين, تراكمت بمرور الزمن، حتى استطاع الإنسان أن يوفق في اكتشاف العديد من النظريات الاجتماعية والقوانين الطبيعية التي تتحكم في مسيرة الإنسان وعلاقته بالطبيعة وأبناء مجتمعه, وهكذا تراكمت المعارف والعلوم حتى كونت تاريخ البشرية الفكري . والإنسان, منذ فجر حياته, بدأ يتأمل ويفكر ويدرس ما يحيطهُ من ظواهر طبيعية، حتى إذا ما تمكن من تفسير بعضها أخذ يدرس علاقة هذه الظواهر بحياته بغية الوصول إلى قوانين تتحكم بهذه العلاقة. ومما لاشك فيه أن كل مفكر في تاريخ البشرية كان له أثرٌ في التطور الفكري، وأن المنجزات الكبيرة في مجال الفكر والثقافة والعلم كانت تتجدد دائماً بفضل أولئك المفكرين الذين أثروا بأفكارهم وتصوراتهم وإضافاتهم الجديدة في البناء الحضاري للبشرية . إن المحاولات الكثيرة التي قام بها المفكرون لتصور الدولة منذ النشأة حتى السقوط أظهرت لنا الظروف السياسية والاجتماعية السائدة في مجتمعاتهم، وكانت أعمالهم الفكرية وجهودهم العلمية, قدمت لنا صورة واقعية لمجريات واقع هذه المجتمعات. والفكر السياسي لم يقدم نفسه بصيغة واحدة, بل تطور مع نمو المجتمعات وتطور الحياة فيها . وفي تراثنا العربي الإسلامي العديد من المحاولات الرائدة لتفسير الظواهر الاجتماعية, وابن خلدون المفكر العربي الأصيل واحد من هؤلاء الذين حاولوا وضع نظريةٍ جديدةٍ أصيلة في قيام الدولة وتطورها وسقوطها, مشبهاً ذلك بدورة حياة الكائن الحي . إن دراسة هذه المحاولات, بروح الأصالة والجدية, اعتماداً على النقد والتقويم, لا المدح والتبجيل ضرورة ملحة, لأن الأمة التي لا تعرف تاريخها معرفة علمية لا مجرد معرفة خطابية عابرة, لا يمكن لها أن تواصل خطاها نحو التقدم, ولا تستطيع أن تنتج من حاضرها مستقبلاً زاهراً، بل إنها تبقى في غياهب الماضي تجتر ما عندها فقط .