دوافع التوجهات العثمانية نحو أوربا الشرقية 1299-1358م "دراسة تاريخية"

Abstract

يُعد ظهور الإمارة العثمانية في أواخر القرن الثالث عشر من المتغيرات السياسية التي شهدها العالم, ولاسيما بعد أن تطورت من قبيلة رعوية نزحت من آسيا الوسطى إلى الأناضول, إذ ما لبثت أن تحولت إلى إمارة تمكنت من السيطرة على مدن عديدة هناك, ثم اتبعت نظاماً إدارياً وعسكرياً اتصف بالدقة والتنظيم حوّلها من إمارة إلى دولة قوية مترامية الإطراف مرهوبة الجانب واستطاعت بسبب قوتها وسياستها المصحوبة بالتسامح الديني أن تفرض سيطرتها على مناطق الأناضول ووجهت أنظارها إلى الإمبراطورية البيزنطية والروميلي ونجحت في فتح مدنه وإحكام السيطرة على أوربا الشرقية.وهنا لابد من تسليط الضوء على الدوافع الحقيقية والأسباب الرئيسة التي كانت وراء تلك الفتوحات والتي دفعت بالعثمانيين للتوجه نحو أوربا الشرقية, وبمعنى آخر الوقوف على الأسباب التي دعت الدولة العثمانية لانتهاج مثل تلك السياسة ضد الدول النصرانية, ولاسيما أن الفتوحات التي قام بها العثمانيين في القرن الرابع عشر كانت لها أهمية كبيرة في تاريخ الدولة, وذلك لأنها أدت إلى فرض سيطرتها على أجزاء واسعة من أوربا وآسيا وأفريقيا, ودانت لها معظم شعوب تلك المناطق مدة طويلة من الزمن, ومن الجدير ذكره أن الدولة العثمانية لم تتعرض لمعتقداتهم وثقافاتهم وقومياتهم, إذ أنهّا أعطتهم الحق في ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية, فضلاً عن أنها لم تعمل على إلغاء هوية سكان المناطق التي أخضعتها لسيطرتها، بل كانت حريصة على أن تدفع بهم للعمل تحت مظلتها، بعد أن أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من رعاياها يشاركون في صنع سياستها.والحقيقة أن تلك الأسباب كانت تتمثل في الموقع الجغرافي المهم للدولة العثمانية في مواجهة الإمبراطورية البيزنطية, مما جعل العثمانيين على احتكاك مباشر بتلك الإمبراطورية, فضلاً عن اطلاعهم على أخبارها وما يحدث فيها من مشكلات وصراعات أسرية وحروباً أهلية, علاوة على ذلك أن العثمانيين تميزوا بالروح القتالية العالية والشدة والصلابة والصبر في المعارك فاكسبهم ذلك القوة والنصر على الأعداء, ولاسيما أنهم كانوا تحت قيادة السلطان عثمان(1299-1326م) مؤسس الدولة وابنه السلطان اورخان(1326-1359م) مثبت أركانها الذّين برعا في قيادة الجيوش وخوض المعارك ومقارعة الأعداء, متخذين من القرآن الكريم والسنة النبوية دستوراً لفتوحاتهم, كما بذلا جهوداً حثيثة لنشر الدين الإسلامي في المناطق التي خضعت لسطرتهما, حتى تكللت تلك الجهود بفتح مدينة غاليبولي وهي أول مدينة في الجانب الأوربي سيطر عليها العثمانيين, مما أعطى ذلك الفتح دافعاً قوياً للتوسع في أوربا الشرقية وإخضاع مدنها للسيطرة العثمانية.