علاقات صلاح الدين الأيوبي بالمغرب الإسلامي564 ـ 589 هـ / 1168 ، 1193 م

Abstract

كانت الخلافة العباسية في بداية أمرها تملك القوة السياسية والعسكرية ، ولها رياسة المسلمين الدينية والدنيوية طبقاً لمفهوم الخلافة ، غير إن الضعف الذي انتابها فيما بعد ، دفع ببعض الأمراء إلى الخروج عن القاعدة المألوفة عملياً و نظرياً ولعل العبيديين والموحدين ابرز الأمثلة على ذلك .
أما نور الدين محمود زنكي ، فقد حرص على كسب رضا الخلافة العباسية لأيمانه بحرمتها ورغبته في الفوز بتأيدها الروحي والمعنوي ، ومن الطبيعي أن يستفيد وريث نهضته صلاح الدين من هذه السياسة ففي عام577هـ/1181م كتب إلى مجد الدين بن الصاحب أستاذ دار الخلافة كتاباً يقول فيه :
(( نحن لا نتدين إلا بطاعة الأمام ولا نرى ذلك إلا من أركان الإسلام ))(1) .
وفي القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي كان الصليبيون في الشام وقد ضعفت دولة المرابطين في المغرب الأقصى بظهور دولة الموحدين بقيادة محمد بن تومرت ، الذي نظم حزبه على أساس عسكري وديني وانفرد بالزعامة الدينية متخذاً لقب المهدي تاركاً الزعامة العسكرية لخلفه عبد المؤمن بن علي الذي واصل تصفية المرابطين فاستولى على مراكش عام ( 541هـ / 1146م ) ، منهياً دولتهم .
اتخذ عبد المؤمن بن علي (524 -543 هـ / 1129-1148م ) لقب الخلافة في المغرب مستقلا ًبذلك عن الخلافة العباسية ، مكوناً خلافة جديدة ، اتخذت على عاتقها مهمة الجهاد في الأندلس ، حتى تمكن حفيده ، يعقوب المنصور (580-595 هـ / 1184-1198م ) من إحراز الانتصار الكبير على القشتاليين في موقعة الأرك عام (591هـ/1195م) فظهر تفوق المغرب بشكل واضح .
وفي الوقت الذي اعتلى يعقوب المنصور عرش خلافة الموحدين بمراكش عام ( 580هـ/1184م) ، كان موقف صلاح الدين قد بدأ يثبت في مصر والشام وذلك بوفاة أخر الخلفاء العبيدين العاضد في القاهرة عام ( 567هـ/1171م) ثم وفاة نور الدين زنكي عام (570هـ/1174م) .
وبوصول المنصور يوسف بن أيوب إلى السلطة يأخذ الصراع بين الإسلام والنصرانية شكلاً جدياً .
ولكن من الملاحظ إن الصراع في مشرق ومغرب البحر المتوسط كان صراعاً بين الشرق والغرب بوجه عام إلا انه في كلتا المنطقتين له صفاته الخاصة ، بينما يقوم صلاح الدين بالجهاد في الشام باسم الخلافة العباسية التي كان لها السلطان الشرعي على جميع المسلمين . كان يعقوب المنصور يقوم بالجهاد في الأندلس . بدعوته الخاصة أي خلافة الموحدين ، وكانت أعباء الحرب من الناحية العملية تقع على المتحاربيين في مناطق القتال شرقاً وغرباً . ولعل أهمية عصر صلاح الدين لا يكمن في كونه عصر إشعاع ثقافي وجهاد عسكري في تلك العصور الوسطى فحسب ، بل لكونه من العصور التي تشابهت وظروف عصرنا الحاضر في جوانب متعددة ، وهذا مما قد يساعدنا على فهم مشاكلنا المعاصرة ويدفع بنا إلى التعرف على العوامل التي جعلت صلاح الدين وجنده يقفون سداً منيعاً بوجه الصليبيين الغزاة الذين كانوا يستهدفون الإسلام والمسلمين وما أشبه اليوم بذلك الأمس ونحن نعيش الأوضاع الراهنة في المنطقة العربية .