البيئة الجديدة للاتصال او الايكوميديا عن طريق "صحافة المواطن"

Abstract

منذ بداية هذا القرن أصبحت تتشكل خارطة تواصلية جديدة تنبيء بدخول البشرية في بيئة إعلامية يمتزج فيها الإعلام بالاتصال وهو ما بات يعرف تقنيا وحتى فكريا بالاندماج. إن هذه البيئة وملامحها لا تختلف عن البيئة في شقها الفيزيائي الطبيعي. فإذا كان مستوى ودرجة الحرارة في الطبيعة المادية شأنا محددا في التوازن البيئي الطبيعي فإن مستوى الحريات وخاصة تنقل المعلومات والآراء وتداولها في المجتمع بات أيضا أمرا محددا في مدى التوازن الميدياتيكي في العالم من جهة وفي كل دولة على حدة من جهة أخرى. كما توجد بيئة خاصة بالطبيعة فإنه توجد اليوم بيئة أخرى موازية اسمها بيئة الأفكار والأخبار ووسائطها وطرق تداولها. إن تحول وسائط الاتصال من التناظري إلى الرقمي ومن الهرمي إلى الشبكي أحدث بيئة جديدة في تبادل الأخبار والآراء يمكن أن نصطلح على تسميتها الإيكوميديا أو البيئة الجديدة للإعلام والاتصال. فمن صحافة الصحفي إلى صحافة الدولة مرورا بصحافة الجمهور وصولا إلى صحافة المواطن أصبح الحديث المستجد منذ بداية العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين هو صحافة شبكات التواصل الاجتماعي. لإحراج كبرى التلفزيونات والإذاعات والصحف والمجلات ذات التاريخ العريق فأنه علينا لزاما ولضرورات التوازن البيئي بكل تلك الصفحات على موقع الفيسبوك و كل تلك الفيديوهات عل موقع اليوتوب. ونستحضر هنا مثال من الطبيعة : « لإزعاج فيل واحد على كل نمل الأرض أن يتحد». وترجمتها الإعلاميه هي لإحراج تلفزيون مثل الجزيرة أو السى-أن-أن على آلاف صفحات الفيسبوك وفيديوهات اليوتوب أن تتحد أيضا في حركة نشر افتراضي غير مسبوق. وتثير البيئة الجديدة للإعلام ضرورة البحث في توازن بيئة المجال الإعلامي. ويكون ذلك من خلال البحث في العلاقة الجديدة بين حرية التعبير والتنوع في بيئة الإعلام. وهنا علينا أن نتساءل كيف يمكن المحافظة على حرية التعبير وصحف عريقة أصبحت تغلق ومواقع إلكترونية أصبح الابحار إليها بمقابل. كيف يمكن ضمان التنوع البيئي الإعلامي وسوق الإعلام تتحكم فيه عشرات الشركات الإعلامية الغربية العابرة للقارات.1-بيئة صحفية جديدة في 22 نوفمبر من سنة 1963 وتحديدا في مدينة دلاس كان أبراهام زبردارAbraham Zapruder المواطن من أصل أمريكي يصور مرور موكب الرئيس الأمريكي كندي فوقع ما لم يكن منتظرا : اغتيال رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر شعبية. بعد أيام قليلة باع هذا المواطن الأمريكي صوره تلك لمجلة لايفLife ب150 ألف دولار. الفرق هو أن كاميرا أبراهام في ذلك الوقت كانت كبيرة الحجم وثقيلة ونوعية صورها متواضعة الجودة ولا يستطيع كل الناس شراءها، أما اليوم فلا يشترط أن تكون معك كاميرا حتى تقتنص الخبر بل عليك فقط أن تكون في المكان المناسب وفي الزاوية المثلي لالتقاط أول وأفضل صورة. أصبحت التكنولوجيا الرقمية للصوت والصورة والنص في متناول الجميع وعلامة على دمقرطة نشر وإرسال وتلقي المعلومة ونقدها. إنه إعلان عن عصر جديد أو بيئة صحفية جديدة تتداخل فيه هواية الصحافة واحترافها تلقى المواطن للرسائل الإعلامية وإرسالها انتاج الشركات الكبرى للخبر والمعلومة واحتكارها لها وإمكانية أن يكون المواطن ممولا لها. كيف يمكننا إذن التعامل مع هذا الأسلوب الجديد في العمل الصحفي أو أيكلوجيا الصحافة الحديثة وكيف علينا تأطيرها فكريا ومهنيا ؟شق من الصحافة التقليدية لا يرى مستقبلا لهذا النوع من الصحافة أو الكتابة الذاتية، ويصعب بالنسبة له أن تلتقي الصحافة التقليدية مع الصحافة الإلكترونية وصحافة المدونات. غير أن أصحاب فكرة صحافة المواطن والمدونات يرون في تحالف كل من «صحافة المواطن» و»صحافة الصحفي» مكسبا للديمقراطية وللمهنة. فكل أسلوب صحفي بإمكانه أن يطور الآخر ويدفع به إلى المزيد من الكفاءة والنجاعة المهنية والأخلاقية. فبإمكان الصحفي التقليدي أن يطور مهاراته ويكسب من صحافة المواطن المسحة الذاتية في كتابة القصة الإخبارية، ويمكن للصحفي المواطن أن يستفيد من كل ذلك الإرث التاريخي المجيد للصحافة التقليدية كان ذلك على مستوى أشكال الكتابة الصحفية أو الأخلاقيات أو التسيير. من هذا المنطلق تبدو دراسة صحافة المواطن بحثيا في حاجة إلى عدة معرفية جديدة متحررة من أسر البنى التقليدية التي الفتها الدراسات الكلاسيكية المهتمة بالمجال الصحفي، ولعل كتاب بيار بورديو عن «عن التلفزيون» والمجال الصحفي ورغم السياق الفكري المتشنج الذي ظهر فيه يمثل اضافة مرجعية هامة في دراسة صحافة المواطن بوصفها وليدة البنى والأنساق التقليدية للمجال الصحفي(2) . مع تطور تكنولوجيات الاتصال والإعلام وفعل العولمة يوجد إذن صحفي جديد في طور التشكل يمكنه أن يساهم وصحافة المواطن في رسم مميزات صحفي المستقبل. في هذا الإطار سيكون للقارئ/المواطن قديما دور كبير ومتعاظم في عملية النشر عامة وفي تحديد خصائص صحافة وصحفي الغد خاصة، وذلك من خلال تحوله التدريجي والمؤثر إلى مواطن/صحفي(3) . هل ستتمكن التكنولوجيا الحديثة للاتصال من الوصول إلى واقعية جديدة لتحقيق شعار : اصنع خبرك بنفسك؟ هل أصبح الحديث عن الإعلام والاتصال الإلكتروني من زاوية تقنية والذي كان ولازال الخطاب المهيمن على جزء كبير من أدبيات الفكر والثقافة خلال العشرية المنقضية لا يستقيم في غياب مسائلة الفعل الاجتماعي الذي أفرزته تلك التقنية(4) ؟ وخاصة دون بيان البيئة الجديدة للصحافة والتي لا يمكن عزلها عن سياقات إيكولوجيا الميديا في عصر الرقمنة ؟ هل يمكن عكس القراءة والقول أن النتيجة يمكن أن تساعدنا على معرفة السبب ؟ أي هل التفاعل الإلكتروني يمكن استيعابه وفهمه أكثر إذا ما تتبعنا سياقه الاجتماعي ودوره الوظيفي الجديد وخاصة الظاهر منه والمؤثر كالمدونات وصحافة المواطن؟للحديث عن إيكولوجيا الميديا من خلال صحافة المواطن يمكن القول بأنه ومنذ بداية التسعينات وجدت الصحافة الغربية وخاصة الأمريكية نفسها مشتتة بين حالة التشكيك التي تؤرقها، وبين مآثرها الديمقراطية التي تسكن مسيرتها وثقافتها المهنية منذ عهود. بدأ ومنذ تلك الفترة يظهر وبشكل جريء وبطيء أسلوب جديد في ممارسة مهنة الصحافة في أكثر من مؤسسة صحفية كما يذهب إلى ذلك جان شايفر المدير التنفيذي لمركز «بيو» للصحافة المواطنية(5)، ويطلق على هذا الأسلوب ب»الصحافة العامة» Public Journalism أو «الصحافة المدنية»،Civique Journalism أو «صحافة المواطن» Journalism Citizen وترجمتها الفرنسية في كل من فرنسا وكندا هي Journalisme Citoyen. ويذهب البعض الآخر إلى تسميتها ب»الصحافة البديلة» أي «المناهضة للصحافة التقليدية» Alterjournalisme أو «الصحافة التشاركية» Journalisme participatif أو صحافة الجمهور(6) . سنتجه في هذه الدراسة إلى استعمال مصطلح صحافة المواطن وذلك لارتباطها بالمدونات الإلكترونية وخاصة أن المواطن يبقى دائما هو محور العمل الصحفي والإعلامي(7) . غير أن البعض يفضل اعتماد مصطلح «الصحافة المدنية» فهي أشمل وتعني كل وسائل الإعلام الأخرى، ذلك أن أصل نشأة صحافة المواطن كان من داخل الصحافة التقليدية ولم تكن الإنترنت السبب المباشر في نشأنها بل ظهر الدور المؤثر للشبكة خاصة مع بداية هذا القرن.سنحاول في هذه الدراسة ومن خلال قراءة تاريخية تأليفية لصحافة المواطن أن نقدم مساهمة في التأصيل الفكري للمجال الصحفي ومراجعة تاريخية لكل تلك الإرهاصات التي يعايشها العمل الصحفي للقول بأن الصحافة ما هي إلا توازنات بيئية فإذا ما إختل عنصر مكون للمشهد الصحفي اختل النسق عامة. كما سنحاول أن نستعرض السياقات السيوسيوثقافية التي ساهمت في تبلور ظاهرة صحافة المواطن بوصفها احد أهم تجليات البيئة الجديدة للصحافة، الموصوفة بانكماش المجال الميدياتيكي من خلال احتكار وسائل الإعلام وتمركزها في يد حفنة من الشركات الضخمة. من جهة أخرى سنعرض أسلوب صحافة المواطن في العمل الصحفي وأهم خصائصه المهنية وكيف أستطاع هذا الشكل الجديد في عرض الخبر والرأي والمعلومة من أن يربك المشهد الصحفي التقليدي. كما لا يمكننا البحث في الإشكاليات ذات الصلة بصحافة المواطن بعيدا عن إبراز قيمة التفاعلية الاجتماعية ودور الوسيط الإلكتروني في العمل الإعلامي. في الجزء الأخير من هذا البحث سنبرز بأن منظومة أخلاقية جديدة هي بصدد التشكل ويمكن تسميتها ب»اخلاقيات صحافة المواطن» مصدرها شبكة تفاعلية اجتماعية أصبح الفرد محورها الرئيسي؟