Description of Imam Ali by himself

Abstract

لقد شغل كتاب نهج البلاغة الدارسين أجيالا، واستوقف الباحثين قرونا، ونهل منه الأدباء دهورا، لم يزل يفتح الأذهان، ويوقد الفكر، ويلهم القرائح، ضاربا في عروض البلاغة، وميادين الفصاحة، ومقامات البيان، لم يشبع منه وارد، ولم يكتف منه طالب، أخّاذ بأسلوبه، باهر بنمطه، معجب بتناوله، فريد بوصفه، يصف الدقيق الخفي كما يصف البيّن الجلي، ويحكي الرقيق الطيب، كما يصف الخبيث المقرف، ما تزال العين تطلع فيه على محاسن الصور، وروائع الغريب، وشوارد المعنى، يبدأ كما ينتهي، ويستطرد كما يوجز، ويقدم ويؤخر لا يتغير فيه كيف، ولا يلحظ فيه خبط.لقد ارتقى فيه أمير المؤمنين a مرتقى لم يبلغه خطيب، ولم يصل إليه متكلم أريب، فتق المعاني، ودوّخ الألفاظ، وحلق في أفق اللغة،آخذا بزمامها فكانت له أطوع من الحديد لداوود a وقد قال في ذلك (سلام الله عليه): " وَإِنَّا لَأُمَرَاءُ الْكَلَامِ وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ وعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ " ( ) فكان كما وصف، وأكثر مما نعرف.ولم يزل الإمام مطلعا بكلامه الفرد العجيب، والجديد الغريب من أفصح القول وأعلاه، وأجوده وأنقاه، كلما تأمله متأمل، وأعاد فيه النظر متفحص،لـذّ لـه وطاب، وطرب له فأعاد، فما وجده إلا ماء واحدا، وبيانا شاهدا أن الذي صدر عنه لا يحكم له إلا بأن كان القرآن مدرسته والنبي i مدرّسه، كله يحكي عن بعضه، وبعضه معجز بفنه، وهو بعد مرآة لعلي a يصور مآثره، ويشرح مرائره، ويبين مناقبه بلسانه (سلام الله عليه).ومن جملة ما تضمنه النهج كلام علي a عن نفسه، ومدى مظلوميته، وفضل أهل البيت، وخطابه مع عدوه، وإنصافه الناس من نفسه، كل ذلك يصب في رافد واحد ألا وهو الإمامة التي كان الإمام يشير إلى فضلها، وما يجب على الناس فيها من طاعة وولاء، وعلاقة الإمام بالدنيا التي شغلت مساحة واسعة في أوصافه وتشبيهاته لها.ولقد كان هذا الموضوع عامل إثارة لي، حملني على تقصي بعض خطبه - سلام الله عليه - التي تقف بنا على هذه المضامين آنفة الذكر.