التنوع الاثني في العراق : سوسيولوجيا التعدد في الوحدة

Abstract

تعد ظاهرة التعددية الاجتماعية، ظاهرة ملازمة للمجتمعات البشرية، تمتد جذورها في حياة الإنسان إلى أبعد نقطة من تاريخ علاقاته الاجتماعية، منذ ان اكتشفت الجماعات الإنسانية ان ثمة جماعات أخرى تشاركها وتزاحمها العيش على أرض هذا الكوكب، مما جعل الإنسان يشعر بوجود تمايزات واختلافات فيما بينه وبين الجماعات الأخرى. بل ان هذه التمايزات والاختلافات الثقافية، والعرقية، والدينية، بما تفرضه من تمايزات واختلافات في الرؤى، والمواقف السياسية، هي اختلافات وتمايزات ملازمة لطبيعة المجتمع البشرى ذاته. والتعددية غالباً ما تعني إقرار وتسليم بعالم مشترك يبنى على أسس التعدد والتنوع، والاختلاف، إذ تغدو التعددية أحدى ثوابت وآليات إدارة أنماط الحياة المعاصرة. وكيفية التعامل والتفاعل معها سيقود بشكل أو بآخر، إلى الاحترام والتسامح والحوار وتقبل الآخر والتعايش معه بسلام وأمان. ان المكونات أو الألوان والأطياف قد تُفصح وتُعبر عن نفسها عن طريق ترجمة واقعها بالتعبير عن انتماءاتها إلى الهويات الثقافية الخاصة بها، والمعبرة عن ثقافات فرعية مثل المعتقدات الدينية، والعادات الطقسية والشعائرية، والتجمعات الإثنية والأنظمة والبرامج السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية وغيرها()، إن وجود التعددية داخل المجتمع لا يعني ذلك حالة ضعف أو قطيعة بين مكونات المجتمع وثقافاته، إذا أحسنت إدارة المجتمع في أطار حكم رشيد بل العكس فان الثقافات المتعددة تتفاعل فيما بينها، ولكل منها حضور فاعل، في مضمون الثقافة الأخرى، وهذه التعددية علاوة على تعبيرها عن حالة اصطفاف متزامن للثقافات الفرعية المختلفة إلى بعضها بعض، فهي تؤشر أيضاً حالة من تزامن مستويات الوعي المختلفة، ويجري التعامل معها راهناً بوصفها حقيقة واقعية، كما هي في الماضي وستكون في المستقبل. ومما تقدم فأن حالة أو ظاهرة التعددية بمعنى: التنوع والاختلاف، هي ظاهرة ايجابية، وحالة صحية في حياة الشعوب والمجتمعات، ولا تمثل أية مشكلة، ولا تثير إشكالية، لاسيما إذا ما أحسنا التعامل معها. ولكن تظهر المشكلة حينما يساء التعامل مع هذه التعددية، ونتعامل معها على وفق مفهوم الانقسامية، وذلك طبعاً يؤدي إلى حالة سلبية تهدد أمن المجتمع واستقراره. ولا يخفى على أحد أن هناك العديد من مناطق العالم عرفت ظاهرة التنوع والاختلاف في صور متعددة أثنية، عرقية، دينية، ثقافية، اقتصادية منذ القدم. إلا أنها اتخذت أبعاداً جديدة في ظل التطورات الداخلية والإقليمية والدولية التي طرأت في الآونة الأخيرة، وتحديداً منذ تسعينيات القرن الحالي، إذا أصبح حديث الوحدة عبر الاختلاف والتنوع هو الخطاب السياسي السائد بعد أن كان خطاب الوحدة من خلال الانصهار والاندماج هو أسلوب الخطاب السائد في كثير من بلدان العالم، بعد ان اجتثت المجتمعات الإنسانية حالة التتابع الثقافي واقتلعتها من جذورها، واستبدلتها بحالة التزامن الثقافي، بغية ترسيخ تقاليد ثقافية جديدة تتوكأ على التعددية، وتعدّ حالة التنوع الثقافي أمرا طبيعيا، ولا تستفزها وجهات النظر المغايرة والمختلفة، ضمن أجواء تسمح لكل ثقافة الاحتفاظ بخصوصيتها من دون تغليب تلك الخصوصية على الثقافة الوطنية الجامعة. وفي سياق البحث العلمي لا بد لنا من مناقشة موضوعة التعددية، وقراءتها قراءة جادة، وموضوعية، إذ تسود العالم اليوم نزعات شر تُنذر بخطر اندلاع الحروب الأهلية، والنزاعات الداخلية، ذات الصبغة القومية، أو الدينية والمذهبية، كما شهدتها مجتمعات مختلفة على امتداد دول العالم من تحديات لأنماط إدارة التنوع والاختلاف وما ينجم منها من صراعات في هذه المجتمعات. وفي هذه الدراسة سوف نتناول بالبحث ظاهرة التعددية الثقافية من خلال ثلاثة مباحث. المبحث الأول: والذي جاء تحت عنوان: مفهوم التعددية، والبحث في التعريفات والمفاهيم المختلفة للتعددية من اجل تفريغ المصطلح من حمولته السلبية، في حين ضم المبحث الثاني: عنوان التكوين ألاثني والتعددية الاجتماعية، للكشف عن واقع المجتمعات التعددية، وتناول المبحث الثالث والأخير سبل الخلاص لموضوعة التعددية من زاوية التنوع ألاثني والاختلاف العرقي وعدم الوقوع في شرك التمايز الانقسامي، وفيه جرى التطرق إلى كيفية تحول المجتمعات المختلفة، إلى مجتمعات متجانسة تتلاشى فيها كل مظاهر الخصوصية والأنانية، لتصبح حالة التفكير بأسلوب الضمير الجمعي هي المسير لحركة المجتمعات الإنسانية.