واقع و متطلبات التنمية المستدامة في العراق : ارث الماضي و ضرورات المستقبل

Abstract

لقد عاش العالم خلال السبعينات و الثمانينات من القرن العشرين أكثر من أزمة تمخض عنها ظهور مشكلات مستحدثة فرضت نفسها على ارض الواقع ، و قد كان ظهورها سببا وراء إعادة النظر في كافة النظريات المؤسسة لعملية ( التنمية ) ، فقد بدأ الحديث عن الموارد غير المتجددة الضائعة من جراء الاستغلال المفرط لها ، و عن دورها في إيجاد اختلالات عميقة في النظام البيئي ، كما إن حركة التسلح النووي و ما ينطوي عليها من مخاطر تهدد الحياة البشرية ، و قضايا ( استنزاف موارد الطبيعة ) و ( تلويث المحيطات ) ، كل هذه الأمور قد كان لها الدور البارز في تغيير نمط التفكير التقليدي في بناء نظريات ( النمو و التنمية ) ، فبدأت الأنظار تتجه نحو بناء نظري جديد يستند في أسسه على فكرة البحث عن مسببات ديمومة الحياة ، و من هنا تبلور مفهوم ( الاستدامة ) 0
فبعد أن كانت مبادئ النمو و التنمية التقليدية تركز في الأساس ( فقط ) على ضرورة التنامي السريع لوتيرة الإنتاج ، و زيادة الإنتاجية و في أسرع وقت ممكن دون اعتبار للآثار السلبية التي يخلقها هذا التنامي السريع على الإنسان و الموارد الطبيعية و ديمومتها ، و على المحيط و النظام الطبيعي 0 بدأ التركيز يتحول نحو اعتبارات إضافية ، البعض منها اخذ يدمج مفهوم ( الاستدامة ) في مفهوم ( التنمية البشرية ) ، و ذلك سعيا للتخفيف من حدة و ربما القضاء على المخاطر الجديدة التي بدأت تهدد أسس الحياة البشرية على الأرض 0
لقد أصبحت البشرية تواجه في الوقت الحاضر مشكلتين حادتين ، تتمثل الأولى في إن كثيرا من الموارد التي نعتبر وجودها الآن من المسلمات معرضة للنفاذ في المستقبل القريب ، أما الثانية فتتعلق بالتلوث المتزايد الذي تعاني منه بيئتنا في الوقت الحاضر و الناتج عن الكم الكبير من الفضلات الضارة التي ننتجها 0 و يشكل تدهور الموارد الطبيعية مثل تعرية التربة ، و إزالة الغابات ، و فقدان التنوع البيولوجي ، و ندرة مياه الشرب المأمونة ، و التصحر ، و الآثار الطويلة الأمد للتلوث بالمواد السامة و غيرها مشكلة مزمنة و واسعة الانتشار ،على الصعيد العالمي سواء المتقدم أو النامي ، 0 و نتيجة لذلك فقد أسهمت هذه المشاكل على الصعيد العالمي إلى بروز مسالة الحفاظ على البيئة و استدامتها كموضوع يحتل أهمية خاصة و على كافة المستويات 0
إن انجاز التنمية المستدامة يتطلب احد الأمرين أو كلاهما : تقليص حجم طلب المجتمع على موارد الأرض 0 و زيادة حجم الموارد ، كل ذلك في سبيل تقليص الفجوة بين العرض و الطلب إلى حد معقول ، إن هذه العملية الهادفة إلى التوحيد التدريجي للمطلوب من الموارد و المعروض منها – الجوانب المتجددة و غير المتجددة من الحياة الإنسانية – هي التي تحدد ما المقصود بعملية التنمية المستدامة0
و طالما أن الحديث سيكون حول ( العراق ) ، فانه لابد من الاعتراف أن الأوضاع البيئية في العراق قد تأثرت بشكل مباشر بعدة عوامل ، بعضها كان يعود للأوضاع الناجمة عن العوامل الطبيعية و الاقتصادية و الاجتماعية ، و بعضها الآخر للسياسات الاقتصادية المتبعة ، فمن جانب تأثير العوامل الطبيعية ، فان تناقص مصادر المياه المتجددة ، و الاستنزاف السريع للموارد ، و تدهور نوعية مياه الشرب ، و تفاقم مشكلة التخلص من مياه الصرف الصحي و الصناعي الملوث في المجاري المائية ، و تدني كفاءة استخدام المياه في الزراعة ، و تزايد التصحر ، و الكثافة السكانية ، و انتشار الوحدات السكانية العشوائية كلها عوامل أسهمت في تدهور البيئة في العراق ، بالإضافة إلى ذلك فان النزاعات مع الدول المجاورة حول التقاسم المشترك لمياه الأنهار ، و مخلفات الحروب التي عانى منها العراق منذ الثمانينات من القرن العشرين و حتى مطلع الألفية الثانية أدت إلى تدهور الأوضاع البيئية في العراق و سرعة استنزاف الموارد و عدم فاعلية برامج مكافحة التلوث 0 أما من جانب السياسات الاقتصادية المتبعة في العراق فان غالبيتها كانت تعاني من التعثر و تصطدم في النهاية بنتائج غير مرضية ، و ذلك لكون غالبيتها كانت ارتجالية و غير مدروسة و غير متلائمة مع واقع الاقتصاد العراقي ، كما إنها كانت رهينة الظروف السياسية فتأثرت سلبا بها 0