أنماط الجملة الاسمية في خطبة حجة الوداع للرسول الاكرم ــ صلى الله عليه وآله ــ

Abstract

المقدمة : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم محمد، و آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين . أمّا بعد : الجملة العربية تركيب متنوع ثري بكل جديد، وقابل للتجدد والنمو على مر العصور، وقد حظيت دراسة الجملة بعناية النحويين القدامى والمحدثين، وكان لهذه الدراسات دور في إرساء قواعد النحو . كذلك حظيت الجملة بعدد من الدراسات الحديثة، نحو: بناء الجملة العربية، للدكتور محمد حماسه عبد اللطيف، والجملة العربية تأليفها وأقسامها، للدكتور فاضل صالح السامرائي، والجملة العربية والمعنى، للدكتور فاضل صالح السامرائي أيضاً، والجملة العربية ــــ مكوناتها ـــــ أنواعها ــــ تحليلها، للدكتور إبراهيم عباده، ونظام الجملة، للدكتور مصطفى جطل، وغيرها من الدراسات . أمّا قديماً فقد أفرد النحويون مصنفات لدراسة الجملة منها: كتاب الجمل, المنسوب للخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت 175 ه ) , وكتاب الجمل, لأبي القاسم الزجاجيّ ( ت 340 ه ), وكذا أفرد ابن هشام الأنصاري ( ت 761 ه ) جزءً من كتابه مغني اللبيب عن كتب الأعاريب , لدراسة الجملة , أنواعها ودلالاتها , وكذا جاءت دراسة الجملة في ثنايا الكتب، فكان الكاتب ــــ مثلاً ــــ يدرس الجملة ، ثم المفردات، ثم الأصوات ، وعلى اختلاف بينهم . وسيحاول الباحث في هذه الصفحات عرض بسيط لمفهوم الجملة الاسمية عند النحويين, ثمّ بيان الأنماط التي وردت عليها في خطبة حجة الوداع لخير من نطق الضاد الرسول الأكرم ــــ صلى الله عليه وآله ــــــ وتعد خطبة حجة الوداع من أهم الخطب التي قالها الرسول ــ صلى الله عليه وآله ــ والتي أخذت من اهتمام الباحثين أيّما اهتمام، فراحوا يدرسونها ويحللون فقراتها ويتذوقون جمالها الابداعي، ويغوصون في أعماق موضوعاتها؛ لما حوته من أغراض وأفكار جديرة بالدرس والمناقشة، فقد تعددت موضوعاتها وأغراضها, من وعظ ديني, وإرشاد اجتماعي, وتشريع أحكام اجتماعية واقتصادية وقانونية مهمة في حياة العرب المسلمين، وكل ذلك الإلهام إنما هو من الباري ــ جل جلاله ــ . وقد اختلفت الروايات وناقليها في نص الخطبة, فمنهم من اختصره, ومنهم من أسهب في عرضه, ومنهم من روى باختلاف في المفردات من تقديم أو تأخير أو حذف أو زيادة، وبعد عرض المصادر ومطابقتها مع بعضها سيعتمد البحث النص الآتي : خطبة حجة الوداع للرسول الأكرم ــ صلى الله عليه وآله ــ : خطب رسول الله ــ صلى الله عليه وآله ــ في حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة فقال : " أنِ الحمدُ لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره, ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مُضِلَّ له, ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلّا الله وحده لا شريكَ له, وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسولُه . أوصيكم بتقوى الله، وأحثّكم على طاعة الله، واستفتح بالذي هو خير . أمّا بعد : أيّها النّاس : اسمعوا مني أبيّنُ لكم، لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا .. أيّها النّاس : إنّ دِماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم إلى أنْ تلتقوا ربَّكم, كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، وأنتم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت ؟ اللّهم اشهد ...! فمن كانت عنده أمانةٌ فليؤدِّها إلى من ائتمنه عليها، وأنّ كلَّ رباً موضوعٌ، ولكنْ لكم رؤوسُ أموالِكم، قضى الله أنّكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون، قضى الله أنّه لا ربا، وأنّ ربا العباس بن عبد الطلب موضوعٌ كلّه، وأنّ كلَّ دمٍ كان في الجاهلية موضوعٌ ، وأنّ أوّلَ دمائِكم أضعُ, دمُ عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعاً في بني ليث, فقتلته هذيل، فهو أوّلُ ما أبدأُ به من دم الجاهلية, وإنّ مآثرَ الجاهلية موضوعةٌ غير السّدانة والسقاية، والعمدُ قودٌ، وشبهُ العمدِ ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية . أيّها الناس : إنّ الشيطانَ قد يَئسَ أنْ يُعبدَ في أرضكم هذه, ولكنّه رضي أنْ يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم . أيّها الناس : إنّما النسيءُ زيادةٌ في الكفرِ، يُضَلُّ بهِ الذين كفروا يُحلُّونَهُ عاماً ويُحرِّمُونَهُ عاماً ليواطِئوا عدَّةَ ما حرّمَ الله ، وإنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والارض، وإنّ عدّةَ الشهورِ عندَ الله اثنا عشرَ شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعةٌ حرمٌ ، ثلاثة متواليات، وواحدٌ فردٌ، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم, ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان . أيّها الناس: إنَّ لِنسائِكم عليكم حقاً، ولكم عليهنَّ حقٌ، لكم عليهنَّ ألّا يُوطِئنَ فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهنّ ألّا يأتين بفاحشة مبينة، فإنْ فعلنَ فإنّ الله قد أذِن لكم أنْ تهجروهن في المضاجع، وتضربوهنَّ ضرباً غير مبرح، فإنْ انتهينَ فأطعنكم، فلهنّ رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنّهنّ عندكم عوانٌ, لا يملكنَ لأنفسهنّ شيئاً، وإنّكم إنّما أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهنّ خيراً . أيّها الناس: اسمعوا قولي فإنّي قد بلّغت وقد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله ـ عزّ وجلّ ــ فاعتصموا به . أيّها النّاس: اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمنّ أنّ كلّ مسلمٍ أخٌ للمسلم، وأنّ المسلمين إخوة ، فلا يحلّ لامرئ من أخيه إلّا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت ؟ قالوا: اللهم نعم، فقال : اللهم اشهد فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض . أيّها الناس: إنّ ربّكم واحدٌ ، وإنّ أباكم واحدٌ، كلُّكم لآدمَ وآدمُ من ترابٍ، إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم، ليس لعربي على عجمي فضلٌ الّا بالتقوى، ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد، قالوا: نعم، فقال: فليبلغ الشاهد الغائب . أيّها الناس: إنّ الله قد قسَمَ لكلِّ وارثٍ نصيبه من الميراث، ولا يجوز لوارثٍ وصية، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث، والولدُ للفراشِ, وللعاهرِ الحجرُ، من ادّعى الى غير أبيه، أو تولّى غير مواليه, فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " . (1) أنماط الجملة الاسمية في خطبته ــ صلى الله عليه وآله ــ : الجملة الاسمية هي " التي صدرها اسم " ،(2) وتتألف في أبسط صورها من ركنين اساسيين، هما: المبتدأ والخبر، قال سيبويه ( ت 180 ه ): " المبتدأ كل اسم ابتُدِئ ليبنى عليه كلام، والمبتدأ والمبني عليه رفعٌ ، فالابتداء لا يكون الّا بمبنى عليه، فالمبتدأ الأول، والمبني ما بعده عليه فهو مسند ومسند اليه " ،(3) ويوجب سيبويه أنْ يوجد الركنان معاً في الجملة، إتماماً للمعنى والّا كان الكلام فاسداً ،(4) أي أنّ الجملة الاسمية لا بدّ أنْ تتكون من ركنين، الأول: هو الصدر ويرفع بالابتداء، والآخر: ما يبنى عليه وهو الخبر . وقد قسم ابن هشام (ت761هـ ) الجملة الاسمية إلى صغرى وكبرى، والصغرى: هي المبنية على المبتدأ، والكبرى: هي الاسمية التي خبرها جملة، نحو: زيد أبوه قائم، وقد تكون الجملة صغرى وكبرى باعتبارين، نحو: زيد أبوه غلامه منطلق، فمجموع هذا الكلام جملة كبرى ، و( غلامه منطلق ): صغرى ؛ لأنها خبر، و ( أبو منطلق ): كبرى باعتبار ( غلامه منطلق )، و صغرى باعتبار جملة الكلام.(5) فيما قسّم عباس حسن الجملة الاسمية على ثلاثة أنواع : الأول: الجملة الأصلية: التي تقتصر على ركني الاسناد، أي: المبتدأ مع خبره, أو ما يقوم مقامه . الثاني: الجملة الكبرى: التي تتركب من مبتدأ وخبره جملة اسمية أو فعلية . الثالث: الجملة الصغرى: وهي الجملة الاسمية أو الفعلية التي وقعت إحداهما خبر المبتدأ .(6) ويدخل على الجملة الاسمية ألفاظ محدودة تغير حكمها بحكم آخر، فمنها ما يكون أفعالاً ناقصة، نحو كان وأخواتها، ومنها ما يكون أحرفاً نحو: إنّ واخواتها .