أساليب التعامل مع الضغوط لدى المكتئبين

Abstract

إن لتطور الحياة السريع العديد من السلبيات إضافة إلى الايجابيات التي يحملها للإنسان , فأن السرعة الفائقة وتقارب الحضارات عبر وسائل الاتصال العالمية جعلت الإنسان في كل المجتمعات غير متكيف وذلك لغزو عدد من الثقافات حياته الخاصة مما جعله غير قادر على دمج ما لديه من ثقافة ومعتقدات مع ما تقدمه هذه الحضارات وتقاليد مع ما يفرضه عليه الواقع الجديد.كل ما تقدم أفرز العديد من الضغوط التي تفرض على الفرد وتعمل على اختلال توازنه مما أدى إلى ظهور العديد من الإضطرابات والاختلال في التوازن النفسي التي تتطلب من الفرد أن يلجأ إلى أساليب من التعامل مع هذه الضغوط تعمل على عودته إلى التوازن وفك هذه الأزمة . ومن أبرز هذه الاختلالات هو ظهور الكآبة . فالاكتئاب هو اختلال في الحالة المزاجية للإنسان يؤدي به إلى الشعور بالحزن والتشاؤم والنظرة القاتمة للنفس وللعالم وللمستقبل . والاكتئاب لم يعد ظاهرة مقتصرة على جضارة بذاتها أو دول بعينها , ولا صحة لما كان يقال في السابق أن الاكتئاب اضطراب يصيب الأعمار الكبيرة أي أنه كلما زاد العمر كلما زادت احتمالات الإصابة بالاكتئاب ففي دراسة مسحية وقائية على (139) ألف شخص موزعين على تسعة مجتمعات من الولايات المتحدة بالإضافة إلى بورتويكو , غرب أوربا , الشرق الأوسط , آسيا , استراليا , تبين أن الاكتئاب ينتشر فيها بنسب متقاربة , وأنه يتداخل في تلك المجتمعات من جيل إلى جيل وثبت أن الاكتئاب أخذ يوسع من قاعدته الزمنية بمعنى أن نسبة الإصابة به بدأت تنتشر الآن في الأعمار الصغيرة . (إبراهيم , 1998 , ص32) ويرى كثير من الباحثين أنه يمكن وصف نهاية القرن العشرين بأنه (عصر الاكتئاب) بعد ما شاع وصفه فيما مضى (عصر القلق) ويذكر كلبرت Gilbert أن الاكتئاب يشبه نزلة البرد العادية من بين الأمراض النفسية وهو ما يشير إلى مدى شيوع وانتشار الاكتئاب (عبد اللطيف , 1997 , ص65) . وترى منظمة الصحة العالمية أن الاكتئاب يحتل المرتبة الثانية من أهم أسباب الوفاة والإعاقة في العالم بعد أمراض القلب بحلول (2020) , كما يعد محوراً مهماً لكثير من الإضطرابات النفسية , بل وفي أمراض عضوية شتى كأمراض الروماتيزم والمناعة وجلطة الدم وسكتة الدماغ وأمراض الشريان التاجي , وذلك لما يتميز به من انفعالات شديدة تعوق عن المضي قدماً نحو الإنجاز وتحقيق الذات (هادي , 2009 , ص2) . وقد بينت التقارير الحديثة في مجال الاكتئاب ومنها الإحصائية المنشورة في الولايات المتحدة ان الاكتئاب يصيب حوالي (12) مليون شخص سنوياً وهذا يكلف الاقتصاد بسبب الغياب عن العمل وفقدان الطاقة الإنتاجية والرعاية الصحية حوالي (12) مليار دولار سنوياً (معمرية , 2000 , ص147) . غالباً ما يشعر العديد من الأفراد بحالات متعددة تقع ضمن واحدة أو أكثر من حالات فقدان القدرة البدنية تغاير المزاج النهاري , الشعور بالحزن , التشاؤم , الإحباط , بسبب مجابهتهم لمشكلات تمتاز بصعوبة الانجاز قياساً إلى قدرات الشخص الذاتية , الأمر الذي يقودهم للشعور بهكذا إحساس بيد أن هذا الشعور لا يقيم طويلاً على ساحة الوجدان عند الإنسان فسرعان ما تبدد هذه الحالات ليحل محلها شعور من توافق الإيقاع النفسي الداخلي الذي يمنح صاحبه شعوراً متزايداً بالراحة والطمأنينة والاستقرار . وفي مساحة الشعور الذي يبدو قاتماً حتى لحظة تلاشيه , يختلف الأفراد في تنوع المسالك التي يتخذونها للتخلص من ثقل الحالة المزاجية القائمة التي تكتنف السلوك .فبعضهم يتعاطى الكحول والمخدرات أو المخدرات أو المهدئات أو يفرط في التدخين أو تراه كثيراً ما يعلن عن شكواه المرضية بأشكال مختلفة والبعض الآخر يلجأ إلى مجالات الأدب والفن . (السليفاني , 1990 , ص38) إن الإنسان يعيش كغيره من الكائنات الحية في بيئة مليئة بالمنبهات التي يتفاعل معها , ومن هذه المنبهات ما يؤدي إلى إحداث اختلال للتوازن الذي هو عليه سواء كان للتوازن النفسي أو الجسمي والتي يؤدي استمرارها إلى حدوث خلل لدى الإنسان ينتج عنه المرض . تتطلب هذه المنبهات من الفرد الاستجابة بسلوك ما لا عادة التوازن والعودة إلى التكيف شأنه في ذلك شأن الحيوانات الأخرى فالحيوان إذا ما واجه مثيراً يسبب له التهديد أو الخطر , يستجيب إما بالهرب أو القتال أو التجمد , وكذلك الإنسان فهو قد ينسحب أو يهاجم أو يصبح في حالة من اللامبالاة أو قد لا تكون اعتماداً على كفائتها في وقاية الشخص وكذلك انطباقها على مدى درجة التهديد . (هانت , 1988 , ص333) لقد عرفت التنبيهات التي يتعرض لها الفرد وتثير لديه عدم التوازن بالضغوط Stress , وتجلت أهمية الدراسة العلمية لهذه الضغوط في دراسات الطبيب الكندي هانز سبلي Selye الذي وضع نموذجاً للضغوط وعلاقتها بالمرض , إذ يرى في هذا المرض تعبيراً رمزياً للأحداث النفسية الاجتماعية (Moss,1973 , p54) .