A Philosophical Meditation of Spiritual Values in Andalusian Poetry(Life and Death)

Abstract

التأمل ظاهرة معروفة في شعرنا العربي القديم، وهي تدل على مدى ما وصل إليه الفكر العربي من تطور ونضج ووعي. وهو صفة إنسانية نجدها لدى الفيلسوف والصوفي كما نجدها لدى الشاعر . وان كان يختلف عند هؤلاء من حيث الوسيلة والطريقة إلا انه يتفق من حيث الغاية المعرفية وهي البحث عن الحقيقة . فالفيلسوف –مثلا- جعل العقل نبراسا يهتدي به وسلاحا يعتمد عليه في عملية الكشف عن جوهر الاشياء (1) . أما الصوفي فقد جعل من القلب إماما يهديه الى أسرار الحياة ، ووسيلته في إدراك الحقيقة ، لأنه يرى ان العقل عاجز عن تفسير قضايا الحياة والكون (2) ، أما الشاعر فقد اعتمد الحدس والتخييل في تأملاته والانغماس والتفاعل مع موضوعه.وما دام الشاعر كائنا اجتماعيا وروابطه مع الاخرين ويعيش الحياة وتناقضاتها ويعاني متاعبها ويتوجع بألامها ويفجع بمصائبها. وما دام هناك موت وفناء بعد هذه الحياة فـان هناك وقفات وجدانية وتأملات كونية وحكم وعبر. لذا حمل الشاعر الاندلسي قصيدة أفكاره ونظراته في الحياة والكون والموت والدنيا والدهر والزمن والأيام وغيرها من القيم الروحية والقضايا والمشكلات الاجتماعية التي لايخلو منها أي ديوان شعر أندلسي وأي فن شعري ولا سيما فن الرثاء ، إذ جاءت مراثيهم وهي تحمل بعدا فلسفيا تضمن الحديث عن مشكلة الحياة والموت والبقاء والفناء. إذ كانت هذه الموضوعات تثير خواطر وأفكار ا فلسفية متشعبة تدعو إلى التفكير في هذه المشكلة الإنسانية الخالدة وتذكر الماضين الذاهبين(3)، وكثيرا ما اقترنت الحكمة بتلك الأشعار التي تضمنت هذه القيم الروحية والقضايا الإنسانية التي شغلت بالهم كثيراً عانوا من مشكلاتها وتأملوا اسرارها وذلك لمناسبة المقام لمثل هذا النوع من الشعر ولان شعر الحكمة (( يصور إلى حد كبير هموما والاما من نوع خاص ، تعكسها الحكمة ولو بصورة غير مباشرة))(4)، فالشاعر يحاول من خلال تلك الاشعار ان يقدم خلاصة أفكاره وتجاربه التي مر بها وأدرك تفصيلاتها في هذه الحياة بعد ان ذاق حلوها ومرها، وعاش أيامها ولياليها وخبر الناس فيها وعرفهم على طبيعتهم، وعانى من غدر الزمان وصروف الدهر وتقلباته فخرج الشاعر محملا بتجارب وأفكار تثري عقله وتغني تجاربه ومن ثم قد تثري وتغني تجارب الآخرين، الا ان هذه الأفكار والتأملات والحكم قد اختلفت ضعفا وقوة من شاعر إلى آخر فمنها ما كان ساذجا بسيطا يعتمد التجربة السطحية فقل تأثيرها وفاعليتها، ومنها ما كان عميقا يستند إلى قوة التجربة وصدقها ،قد توفر فيها العمق والأصالة وسعة الرؤية الذاتية او معاناته اليومية كحصيلة لمعايشة الشاعر وتجاربه(5) ، لان خير الشعر كما يذهب القرطاجني (684هـ) هو ((ما صدر عن فكر ولع بالفن والغرض الذي القول فيه مرتاح للجهة والمنحى الذي وجه إليه كلامه...))(6) فالمعاناة الحقيقية أو الممارسة الفعلية للتجربة الشعرية لها اثرها الكبيرفي عمق التجربة واصالتها ، لذا عدها بعض النقاد أصل كل نتاج ادبي فيقول: ((ان اصل كل تأليف أدبي هو تجربة مارسها المؤلف))(7) وان كان هناك من النقاد يرى انه ليس من الضروري (( ان يكون الشاعر قد يعاني التجربة بنفسه حتى يصفها بل يكفي ان يكون قد لاحظها، وعرف بفكره عناصرها، وامن بها، ودبت في نفسه حمياها))(8) ومما لاشك فيه ان مثل هذا الراي اكثر ما يصدق على بعض الموضوعات والاغراض الشعرية مثل المديح والوصف، اما فيما يخص موضوع دراستنا فلا بد من توفر التجربة الحياتية والمعاناة الحقيقية ليتسنى للشاعر ان يعبر عن فلسفته تجاه ما اصابه وما يعانيه، وما تعلمه من ذلك ، فهناك فرق كبير بين شاعر اكتوى بالالم من غدر الزمان والناس ، وتقلب احوال الدنيا، وصعوبة العيش ، او عانى الام السجن او ذل الاسر واخر لم يعان ذلك كله، وقديما قال ارسطو: ((والحق ان اقدر الناس تعبيرا عن الشقاء من كان الشقاء نفسه ))(9) فالمعاناة الحقيقية توثق الصلة بين الشاعر وموضوعه وتجعلها اكثر عمقا وتفاعلا وينعكس ذلك بوضوح على نتاجه الشعري الذي سنقراه اذ اننا سنشهد – بدون شك- ولادة عمل جيد نشعر به ونتفاعل معه وكأنه يهمنا ويمثل بعض جوانب حياتنا وافكارنا.