الواجب الموسع وخلاف الفقهاء والأصوليين فيه

Abstract

فإني استخير الله تعالى وأسأله العون والتوفيق إلى إعداد بحث نافع في خلافية فقهية أصولية هامة وذات مساس بعبادات الناس لجلاء الغموض عنها، واستشفاف وجه الحق فيها، ولما كانت العبادات أهم أحكام الشريعة في نظر الشارع سبحانه وتعالى وفي نظر كل مؤمن صادق الإيمان كانت أحكامها حرية بأن توضح وتنشر ليعرفها الخاصة والعامة، ولما كانت المسائل الخلافية منها جديرة بالتتبع والتحليل العلمي لبيان تيسير الله تعالى على الناس في أحكامه بالنسبة لأهم وأقدس التكاليف الشرعية وهي العبادات التي خلقنا لأجلها واستعمرنا الله تعالى في الأرض- لإقامتها ولما كانت الواجبات الدينية أول المطلوبات الشرعية من العباد كانت أحكام الواجب الشرعي أول ما ينبغي إظهار وجه الحق فيه وبيان جوانب اليسر بنظر علمي دقيق من غير إفراط ولا تفريط.وقد اختلف أهل الأصول والفقه في بعض أحكام الواجب وأقسامه، فمنها ما يتعلق بالفعل نفسه المطلوب أداؤه، ومنها ما يتعلق بالوقت المطلوب إيقاعه فيها، ومنها ما يتعلق بالأسباب والشروط اللازمة لأدائه وليست جزءاً من فعله، ومنها ما يتعلق بالمخاطبين به وهم المكلفون بأدائه، فمن الجهة الأولى وهي جهة الفعل المطلوب أداؤه اختلف في تقسيمه إلى معين ومخير، ومن الجهة الثانية إلى مضيق وموسع، ومن الجهة الثالثة اختلف في أن المقدمات وهي متعلقات الواجب ولوازمه، أهي واجبة بوجوبه؟ أم ليست واجبة. ومن الجهة الرابعة لم ينكر أحد فروض الكفايات وإنما اختلف في الخطاب بها أهو موجه إلى الكل ويسقط التكليف بقيام البعض بفعله؟ أم أن المخاطبين به بعض يكفى أداؤهم الفرض لكنهم بعض غير معينين، ولما كانت مسألة الوقت المحدد لفعل الواجب أهم هذه المسائل الخلافية اخترت أن أجعلها موضوع هذا البحث إن شاء الله تعالى نظراً إلى كثرة التشدق من المضيقين المعسرين على الناس بالآراء المتشددة من حيث أنه حكم فقهي صرف وإن كان البحث فيه يتطلب النظر في أدلة الفرقاء بعرضها والرد على ما لا يقوى منها على الثبوت وبيان وجه القبول لما يقبل منها، إلا أن هذا لا يخرج المسألة عن كونها مسألة حكمية فقهية، والنظر في الأدلة من لوازم بحث الفقيه المجتهد، ليكون حكمه صحيحاً فيما يتصدى له من أحكام الشرع. فالمسألة تتعلق بحكم الله تعالى في أداء العبادة المؤقتة بوقت له بدء وانتهاء من حيث الصحة وعدمها إذا كان الوقت متقدم أو متوسط أو متأخر، أضف إلى ذلك مسائل الحكم الشرعي من أحكامه وأقسامه والحاكم به سبحانه وتعالى والنظر في المكلف المحكوم عليه والفعل المحكوم فيه، كل هذه المسائل هي مسائل فقهية وإن وردت في كتب الأصول؛ لذلك عقدت العزم على استخلاصها من كتب الأصول، ولما كان موضوع هذه البحث هو الحكم الشرعي المتعلق بوقت أداء الواجب كان غير مستغن عن النظر في أدلة المختلفين ما بين مجيزين للتوسعة في الوقت ومانعين لها كان علينا أن نضمنه أقوال الأصوليين باعتبارها هي الأساس الذي قام عليه اجتهاد الفقهاء المختلفين في المسألة فهي مسألة حكمية أساساً والخلاف فيها مبني على اختلاف أهل الأصول بحسب أدلة كل فريق إلا أني أقدم تنبيهاً احترازياً على أن تسمية المسألة بالواجب الموسع قد تعتبر مصادرة قبل البحث على مذهب البعض من مانعي التوسعة ولكننا سميناها كذلك للتفرقة بين واجب مستغرق لكل الوقت المحدد له شرعاً وآخر حدد له وقت يزيد على ما يحتاج إليه الأداء ولا نحكم مقدماًَ ببطلان مذهب مانعي التوسعة قبل مناقشة أدلتهم والموازنة بينها وبين أدلة المذاهب المقرة لجواز الأداء في أي جزء من أجزاء الوقت.