دلالة (اسْتَفْعَلَ) على المبالغة في القرآن الكريم

Abstract

خلاصة البحث ان الزيادة التي تدخل على الفعل المجرد وتحوله الى الفعل المزيد لا بد لها من معنى جديد تزيده على الفعل المجرد وان قول النحويين بان (استفعل) ياتي في بعض الاحيان بمعنى (فعل) أو(أفعل) ليس بدقيق ولا بد في الزيادة من أثر على معنىى الفعل .وقد ثبت البحث أن الزيادة في مثل هذه الحالة تدل على المبالغة وان هذه المبالغة قد تكون في كثرة الاتيان بالفعل أو الجهد الكبير الذي يبذله الفاعل عند الإتيان بالفعل.يُقسم الفعل في العربية إلى قسمين ، مجرّد ومزيد ، فالمجرّد:ما كانت جميع حروفه أصليّة ، والمزيد:ما زيد على حروفه الأصول حرف ، أو حرفان ، أو ثلاثة من حروف الزيادة ، وحروف الزيادة في العربية عشرة ، تجمعها عبارة (سألتمونيها)(1) .والغرض من الزيادة إما معنويّ ، يُراد منه الحصول على معنى غير موجود في المجرّد ((بشرط أن يكون المعنى بعد التجريد ذا علاقة بالمعنى مع الزيادة ، فكلمة(استفهم) ذات علاقة في المعنى بكلمة (فهِمَ) ، ولذلك نحكم بزيادة الهمزة والسين والتاء))(2) ، وإما لفظيّ ، الغرض منه الإلحاق ، أي:إلحاق الفعل الثلاثيّ المزيد بالفعل الرباعيّ(3).وذهب عدد من اللغويين إلى القول بأنّ الزيادة قد لا تؤدي غرضا لفظيا ولا معنويا ، وإنما تكون زيادة بناء فقط ، فيكون الفعل المزيد بمعنى الفعل المجرّد(4) .ومن أوزان المزيد في العربية وزن(استفعل) ، وهو الثلاثي المزيد بالهمزة والسين والتاء ، ويأتي لمعان كثيرة أبرزها الطلب(5) ، قال ابن سيده (ت 458هـ) :((قال أبو عليّ:اعلم أنّ أصل(استفعلت الشيء) في معنى طلبته واستدعيته ، وهو الأكثر، وما خرج عن هذا يحفظ وليس بالباب))(6).وتتبع اللغويون والمفسرون وزن(استفعل) في القرآن الكريم ، وقالوا في عدد من المواضع بموافقة (استفعل) لـ(فعل) نحو (قرّ) و (استقرّ)(7) . ورفض عدد من اللغويين والمفسرين القول بموافقة (استفعل) لـ(فعل) ، لأنّ زيادة المبنى لا بدّ أن يدلّ على زيادة في المعنى(8) ، ويرى هؤلاء أنّ الزيادة في مثل هذه المواضع تدلّ على المبالغة ، قال الرضيّ (ت686هـ):((قوله:(استفعل) بمعنى(فعل) نحو:(قرّ) و(استقرّ) ، لا بدّ في (استقرّ) من مبالغة))(9) ، وقال الشوكاني (ت1250هـ) في حديثه عن (يستسخرون):((أي: يبالغون في السخرية ،... يقال:(سخر) و(استسخر) بمعنى ، مثل (قرّ) و(استقرّ) ، و(عجب) و(استعجب) ، والأوّل أولى ، لأنّ زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى))(10). وقال الآلوسيّ (ت 1270هـ) في حديثه عن لفظة(مستطيرا) في قوله تعالى:﴿يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا﴾[الإنسان:7]: ((مستطيرا:فاشيا منتشرا في الأقطار غاية الانتشار من (استطار الحريق والفجر) ، وهو أبلغ من (طار) ، لأنّ زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى))(11).وتلمس الآلوسي عذرا للقائلين بموافقة(فعل) لـ(استفعل) حينما فهم من كلامهم أنّ الموافقة حاصلة في أصل المعنى ، قال في حديثه عن(استحسر):((والظاهر أنّ(الاستحسار) – حيث لا طلب كما هنا- أبلغ من (الحسور) ، فإنّ زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى ، والمراد من الاتحاد بينهما الدال عليه كلامهم الاتحاد في أصل المعنى))(12).وسأحاول في هذا البحث إثبات معنى المبالغة في صيغة (استفعل) معتمدا على السياقات التي وردت فيها الصيغة وأقوال المفسرين فيها .