الأغراض البلاغية للنداء في القرآن الكريم

Abstract

الحمد لله حمدا لايساويه حمد ، حمدا لاتدركه الأماني ولا تستوعبه الأواني ، حمدا يليق بكل بسملاته ومعجماته ومحكماته ومتشابهاته ومعوذاته 0 والثناء على الله الذي يهدي لنوره من يشاء الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، والثناء على الله الذي نفخ من روحه في الحجارة وجعل من الطين وعاء لرحمته وشرف علمه 0 والذي جعل حروف ذكره سيوفا حية قاطعة تقتل كل شكوك الكافرين ، ودروعا صلدة تقي صدور المؤمنين 0 لقد أراد الله أن تكون لغة العرب دائمة الحياة بعيدة عن الضياع تعلو في مجدها كل معالي اللغات 0 فمن طاف فوق سطوح البحور حتى ينضب ماؤها فلن يجد فنا أجل من النداء فهو فن من فنون الإبداع في الفهم والتخاطب وقد شرف الله النداء عندما جعله واسطة بينه وبين أنبيائه ورسله وعباده الصالحين 0 فالوحي هو أعلى مراتب النداء ، قال رب العزة : [فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ] {الأعراف:22} ، وقال : ( [فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا] {مريم:24} ، [وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا] {مريم:52} وقال : [وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ] {الصَّفات:104} ، وقال : ( [فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى] {طه:11} ، وبالنداء نصر الله رسله وشد أزرهم لنشر الدين وإذكاء روح الفضيلة ، قال جل شأنه : ( [قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ] {الأنبياء:69} ، وقال : ( [وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ] {سبأ:10} وبه ردع الله الطغاة والجبابرة ، قال تعالى : [قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العَالِينَ] {ص:75} 0 فالنداء قديم أزلي ابتدأ بنداء آدم (عليه السلام) أول البشرية قال تعالى : [وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ] {البقرة:35} ، واستمر مع كافة الرسل والأديان ، ولجلالة قدر النداء وأهميته لاينتهي بانتهاء الحياة فيوم الحساب هو يوم التناد ، قال تعالى : [وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ] {غافر:32} ، ويستمر النداء ففي الحياة الآخرة يتنادى أصحاب الجنة وأصحاب النار ، قال تعالى : [وَنَادَى أَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ] {الأعراف:44} ، وقال : [وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الكَافِرِينَ] {الأعراف:50} هذه أهمية النداء في الذكر الحكيم،أما أهمية دراسة دلالته فتنبع هذه الأهمية من أن الموضوع لم يدرس على وفق القاعدة المنهجية التي لاتتعدى قواعد الصناعة النحوية التي تقسمه إلى حرف النداء ، والمنادى ، وتابع المنادى وألفاظ لازمت النداء وما إلى ذلك من نظر يلحظ القواعد ويتجنب أو ينسى الدلالة بينما حرصت على أن يصبح مراد الدرس النحوي القرآني كشف الدلالة وتوخي معاني النص ، لذلك فان دراسة النداء على وفق منهج يكشف عن دلالته تقتضي كشف معاني النحو وعلاقاته في النص وهو لايقتصر على التقسيم التعليمي لهذا النص – حرف النداء والمنادى وتابع المنادى – وإنما يستوفي النظم والتأليف ولا يقف إلا عند تمام المعنى والدلالة وربما استوجب اتصال المعنى والاتساع في النظم كشف معاني النحو وعلاقاته في جملة تابعة لجملة النداء في مفهومها التعليمي، من هنا اخترت موضوعي هذا (( الأغراض البلاغية للنداء في القرآن الكريم )) وقد قسمته على مبحثين تسبقهما مقدمة والتمهيد : -