الخطاب الجمالي في تلوين الأعمال النحتية

Abstract

إن الملحقات الجمالية التي بالإ مكان أن تضاف إلى الشكل النحتي و تزيد أو تضاعف أثر التوصيل , هي تلوين سطوح الأعمال النحتية ,واللون كما هو معروف يضيف للنحت عنصرا آخر إلى العناصر الأصلية المعروفة للنحت ؛ فالخط ربما يوحي بالكتلة أو بالشكل الصلب إلا أن اللون يضيف الإحساس بكمال الشكل وتمامه حين يوضع في امتداداته النسيجية ,وقد يحدد اللون عن طريق الإيهام الأبعاد الثلاثية للشكل . وبهذا فقد يستخدم اللون لأجل اللون نفسه, أو قد يستخدم لأجل مغزاه الرمزي... وإدراك اللون يشكل جانبا من السلوك الإنساني , وان سلوك الإنسان يتحدد بثلاث أبعاد هي : البيئة أو العالم الخارجي , والعالم الفسيولوجي , والعالم الفسيولوجي الداخلي الذي يتضمن متغيرات كثيرة من بينها الانفعالات . واللون غالبا ما يرتبط بالإحساس بالسرور أو الحزن , وهناك ألوان تثير استجابات انفعالية خاصة ؛ فالأحمر مثلا يرتبط بالإثارة والغضب , والأزرق بالهدوء والأسود بالحزن والاكتئاب . وهناك دلالات رمزية مختلفة للألوان في الديانات المختلفة والشعوب المختلفة, فاللون الأبيض رمز الطهارة في ثقافة العرب, وهو لون الحداد بالنسبة لأهل الصين . واللون الواحد قد تكون له أكثر من دلالة, وقد تكون له دلالات رمزية متعارضة ومتناقضة – دلالة الموت ودلالة الحياة في الوقت نفسه – فطاقات اللون هائلة غير محدودة. ورمزية الألوان عموما فيها هذه الإشارة الخاصة للتعدد والتنوع والتجلي والخفاء في الوقت نفسه. فاللون الأخضر يعمل عملا مزدوجا فهو لون بارد ودافئ في الوقت نفسه , يرمز إلى الحياة والى احتمالات نهاية الحياة , وهو يمتص الضوء ويؤكده في ذات الوقت , وبدرجات متنوعة يقوم الأبيض والأسود بهذه الوظائف المزدوجة فهما يمثلان الإيجابي والسلبي , الحياة والموت , الخير والشر ,البداية والنهاية . والعقل الإنساني يميل إلى تفسير اللون في ضوء علاقته بالألوان الأخرى المحيطة به والمتقابلة معه . والإنسان يستجيب للون بشكل تلقائي , عفوي أو لا يتجاوب , ونحن لا نتعرف على الألوان بل نشعر بها باعتبارها هادئة أو مثيرة , مبهجة أو محزنة , دافئة أو باردة , مثيرة للاضطراب أو باعثة على السكينة , مؤدية إلى التركيز أو مسببة للتشتت . والألوان لا تؤثر في حالاتنا المزاجية الخاصة أو حالاتنا العقلية الخاصة فقط , بل تؤثر أيضا في حالاتنا الجسمية أيضا وهذه الأفكار جميعها تحيلنا إلى التساؤل الذي مفاده : لماذا لون النحاتون سطوح تماثيلهم ؟ وهل لتلوين التماثيل النحتية اثر في توصيل الخطاب الجمالي ؟ ثم ما التوصيل وما هي طبيعته ؟ والتساؤلات هذه جعلتنا نصوغ أهدافنا التي نتوخاها في بحثنا ؛ وهي الكشف عن أوجه الاختلافات في توصيل الخطاب بتلوين المنحوتات قديما وحديثا . لقد عرف التلوين في النحت منذ الأزمان البعيدة , منذ عرف الإنسان الفن لأول مرة , وبدأ يحاكي الواقع بذاتية الإنسان الخائف للسيطرة على قوى الطبيعة المرعبة المتحدية والقاعدة التي نعرفها اليوم هي وجوب ترك النحت في انهاءاته كما هو في مواده الأصلية , بصرف النظر ما إذا كانت مادة المنحوتة حجر أو فخار , خشب أو رخام ... ومنذ نهاية القرن التاسع عشر فقط عاد إدخال التلوين في العملية النحتية , واخذ بعض النحاتين تلوين سطوح أعمالهم النحتية. دعنا نعتقد أن النحت الملون هو ميل حديث في الذوق وفي إيصال الخطاب الجمالي. لكن الخبرة الشائعة في ألازمان القديمة كانت في تلوين المنحوتات . فالنحت الإغريقي خلال مسيرته كان ملونا , والمصريون القدماء لونوا نحوتهم قبل الإغريق , والعراقيون القداماء أيضا , والتروسكان والرومان نسخوا أعمالهم من أسلافهم , والنحاتون القوط واصلوا التقليد , وفي عصر النهضة فقط عندما عاد الفنانون بإحياء النحت الكلاسيكي – الذي كان في غضون ذلك الوقت فقد ألوانه - كان إنتاج النحت غير ملون . وكان ألرأي في عصر النهضة يقتضي الابتعاد عن تلوين النحت , حيث النحت العظيم يحقق تأثيراته بواسطة وسائلة وتقنياته الصارمة , وعلى حد تعبير ( باتر ) " أن استعمال اللون أو التلوين في النحت ليس سوى وسيلة غير بارعة للتأثير بواسطة استعارة أداة التعبير أو التأثير من فن آخر " ولكي يخلق ( مايكل أنجلو ) مكافئ للتأثير الذي يحدثه اللون ويحقق الإيصال جاء بحلوله الشخصية لهذه المشكلة بواسطة تركة لبعض الأجزاء من التمثال خشنة ويبقي آثار الأزميل واضحة على الخامة الحجرية , في حين يصقل الأجزاء الأخرى بدقة وبمهارة كلاسيكية عالية ,وهي تقنية وسط بين النحت المفهوم ( ككتلة ) والنحت المفهوم ( كضوء ) , وهذا النسيج الخشن بخطوطه المتقاطعة وسطوحه الملساء أحيانا أخرى جاء ليؤدي أغراضه التعبيرية الجمالية ويخلق تبريرا لصالح الصراع الداخلي للفنان , وهو تعويض بالنتيجة عن دور الطلاء في المنحوتات الإغريقية