دلالة ألفاظ الحب الغزل الأموي أنموذجا

Abstract

يؤكد الدارسون من قدامى ومحدثين، اجتماعية اللغة ومعنى ذلك ان الفرد أحوج ما يكون الى اللغة، ليحقق صلته بالمجتمع، وإذا كانت مهمة اللغة تحقيق التواصل في المجتمع فهي خاضعة لمقايسه وعاداته وتقاليده وثقافته. ولهذا يعتريها التبدل والتغيير أكثر مما يعتري الظواهر الاجتماعية الأخرى. وسرعة التغيير فيها مقترنة بتغير ظروف المجتمع الذي تعيش فيه، كالظروف السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والفكرية. وكل تطور في الحياة ينعكس اثره على اللغة.واللغة- وان كانت نظاماً اشارياً متكاملاً- تحتل الالفاظ فيها مكانة اساسية فالاشارة اللغوية انما تحصل بالتراكيب أي بانضمام الالفاظ، على وفق انساق نحوية متعارف عليها، وتآلفها لأداء المعنى. ولو تتبعنا ألفاظ الحب عبر العصور لوجدناها على الرغم من وجود رصيد اساسي لها تختلف من عصر الى أخر، فبعضها يستحدث وبعضها يختفي نتيجة لظروف واسباب معينة، ويكتسب بعضها دلالات ومعاني مضافة او يمتلك الشريعة في دخوله الى دائرة الفاظ الحب.لقيت منذ القديم ألفاظ الحب أهتمام الباحثين العرب إذ ان الكثير من الكتب التراثية التي تناولت موضوع الحب بالدراسة اهتمت بذكر ألفاظه وترتيب درجاته.وأول من تعرض لهذهِ الالفاظ بالدرس ورتبها في سلم التصاعد العاطفي محمد بن داود الاصفهاني في كتابه (الزهرة) إذ يقول:((فأول ما يتولد عن النظر والسماع الاستحسان ثم يقوى فيصير مودة، ثم تقوى المودة فتصير محبة، ثم تقوى المحبة فتصير خلة، والخلة بين الآدميين أن تكون محبة أحدهما قد تمكنت من صاحبه حتى أسقطت السرائر بينه وبينه فصار متخللاً لسرائره مطلعاً على ضمائره، ويقال ان الخلة بين الآدميين مأخوذة من تخلل المودة بين اللحم والعظم واختلاطها بالمخ والدم، ثم تقوى الخلة فتوجب الهوى، والهوى اسم لأنحطاط المحب في محاب المحبوب وفي التوصل اليه بغير تمالك ولا ترتيب ثم تقوى الحال فيصير عشقاً، والعاشق يمنعه من سرعة الانحطاط في هوى معشوقه. إشفاقه عليه وضنه به، حتى أن أبقاءه عليه ليدعوه الى مخالفته وترك الاقبال عليه فمن الناس من يتوهم لهذهِ العلة ان الهوى اتم من العشق، وليس الأمر كذلك، ثم يزداد العشق فيصير تتيماً، وهو ان تصير حالى المعشوق مستوفية للعاشق فلا يكون فيه معها فضل لغيرها، ولا يزيد بقياسه شيئاً الا وجدته متكاملاً فيها)(1).فأبن داود لا يذكر من ألفاظ الحب ودرجاته الا سبعاً هي:-(الاستحسان ،والمودة، والمحبة، والخلة، والهوى، والعشق، والتتيم.)ويذكر أبن الجوزي في كتابه (ذم الهوى) آراء متعددة لترتيب درجات الحب ويذكر ألفاظاً لم يذكرها أبن داود منها الوله وهو (الخروج عن حد الترتيب والتعطل عن احوال التمييز)(2)، وينفرد الثعالبي وهو متأخر عن الأولين بألفاظ لم يذكرها أبن داود وابن الجوزي.وفي الحقيقة ان اغلب الألفاظ التي ذكرها الثعالبي في كتابه (فقه اللغة وسر العربية) ليست من ألفاظ الحب، وانما هي من الألفاظ الخاصة بدواعي الحب والتي أصطلح عليها ابن قيم الجوزية بأنها ليست من اسمائه وانما هي من موجباته واحكامه(3) وهذهِ اسهامة ذكية في تتبع معاني الألفاظ وفي ما يصطلح عليه الآن بعلم الدلالة.ولابدّ من العودة الى نص الثعالبي لتبين الالفاظ التي أضافها، إذ يقول (أول مراتب الحب الهوى ثم العلاقة والحب للقلب ثم الكلف وهو شدة الحب ثم العشق وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي أسمه الحب، ثم الشّغف وهو أحراق الحب القلب مع لذة يجدها وكذلك اللوعة واللاعج فان تلك حرقة الهوى وهذا هو الهوى المحرق، ثم الشغف وهو ان يبلغ الحب شغاف القلب وهي جلدة دونه، ثم الجوى وهو الهوى الباطن ثم التيم وهو ان يستعبده الحب ومنه سمّي تيم الله أي عبد الله ومنه رجل متيم، ثم التبل وهو ان يسقمه الهوى ومنه رجل متبول ثم التدليه وهو ذهاب العقل من الهوى ومنه رجل مدلّه ثم الهيوم وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه ومن رجل هائم)(4).والمهم ان الفاظ العلاقة والكلف والشغف واللوعة واللاعج والجوى والتبل والهيوم لم ترد في نص ابن داود. . اما ابن قيم الجوزية فيعقد في كتابه (روضة المحبين ونزهة المشتاقين) باباً لأسماء المحبة يذكر فيه ان هناك ستين أسماً للمحبة يكتفي بذكر خمسين منها وهي (المحبة، والعلاقة، والهوى، والصبوة،والصبابة، والشغف، والمِقَة، والوجد، والكلف ،والتتيم، والعشق، والجوى، والدنف، والشّجو، والشوق والخلابة، والبلابل، والتباريح، والسُّدم، والغَمرات، والوهَل، والشجن، واللاعج، والاكتئاب، والوصب، والحزن، والكمد، واللّذع، والحرق، والسهد، والارق، واللهف، والحنين، والاستكانة، والتبالة، واللوعة، والفتون، والجنون، واللّمم، والخبل، والرسيس، والداء المخامر، والودّ، والخلة، والغرام، والهيام، والتدليه، والوله، والتعبد)(5).وعلى الرغم من الجهد الذي بذله أبن قيم الجوزية في جمع ألفاظ المحبة فقد فاته بعضها إذ أن هناك ألفاظاً تظهر وتختفي عبر العصور، فلفظة السبي على سبيل المثال لم يذكرها ابن القيم على الرغم من الشاعر الاموي قد استعملها وما تزال متداولة في قصائد الغزل المعاصرة، كما انها تسربت الى اللغة الدارجة للتعبير عن شدة الحب.والمتتبع للشعر الذي يهتم بذكر عاطفة الرجل تجاه المرأة على مر العصور يجد ان الفاظاً دخلت الى دائرة ألفاظ الحب نتيجة للتطور الدلالي الذي يصيب تلك الالفاظ. وللتطور الدلالي اسبابه المعروفة فلفظة (ذاب) ومشتقاتها لأنجدها في الشعر القديم للتعبير عن الحب بينما نجد الشعراء المحدثين يستعملونها في شعرهم الغزلي.اما اكثر ألفاظ الحب دوراناً في الغزل الاموي فهي سبع عشرة لفظة منها ألفاظ (أصلية) متعارف عليها على أنها من الالفاظ الخاصة بالحب، وبعضها ألفاظ منقولة الى دائرة الفاظ الحب على سبيل المجاز، وهي الالفاظ التي قال عنها ابن قيم الجوزية انها ليست من اسمائه وانما من موجباته واحكامه وتقسم هذهِ المجموعة الى الفاظاً منقولة عن معنى المرض، والفاظاً منقولة عن معان أخرى وعلى الرغم من ان هذهِ الالفاظ قد انتقلت الى دائرة ألفاظ الحب بطرق مختلفة كالمجاز والاستعارة والتشبيه الا ان هذهِ الألفاظ تبدو للعربي وكأنها ألفاظ أصلية فقد اصبحت من المجاز المنسي، وسيجري ترتيبها على وفق هذا المنهج.