الألوان في شعر ابن خفاجة الأندلسي إضاءةدلالية

Abstract

يهدف هذا البحث للكشف عن توظيف الألوان في شعر ابن خفاجة الأندلسي ، وتتبع الرؤى المتنوعة للألوان عنده ، ذلك التوظيف الَّذي تجلَّى بوضوح في شعره ،متَّصلًا ــــــــــ إلى حد كبير ــــــــــ بنفسية الشاعر وتطور حياته ، إذ ارتبط شاعرنا بالطبيعة الأندلسية الساحرة الخلاّبة فأبدع في استجلاء الصور الشعرية الرائعة ذات الألوان المفردة حيناً ، والمتعددة أحياناً أخرى ، وقد سادت في ديوانه الأشعار ذات الطابع اللوني الزاهر ، إذْ لاحظنا في شعره تنوُّعاً في الألوان ، معنى ذلك أنَّه يستخدم أكثر من لون في القصيدة الواحدة أو المقطعة . أي أنَّه يمزج بينها حتَّى في البيت الواحد بشكل متميِّز وملفت للنظر .ويعد اللون المورد الأساس الذي اســـتمد منه الشــاعر صوره كافَّة ، ووظَّفه في معظم تشبيهاته واســــــــتعاراته ومجازاته ، و كناياته ؛ لذلك أطلق عليه النقاد الأندلســيون ( جنَّان الأندلس ) أو ( صنوبري الأندلس) ، نظراً لكثرة ذكره لبيئة الأندلس الطبيعية الفاتنــة ، وكيف لا هو القائـــل: (1) ومن الدلائل على هيامه ببيئته وعشقه لها ، وشغفه بها إلى حدِّ الهوس ، استهلالُهُ ديوانه بتلك القصيدة الطويلة التي مهد لها بقوله : (2) أَمَا وَالْتِفَاتِ الرَّوْضِ عَنْ زَرَقِ النَّهْرِ وَإشْرَاقِ جِيْدِ الغُصْنِ فِي حِلْيَةِ الزَّهْرِسعى هذا البحث إلى رصد السياقات اللونية في نصوص ابن خفاجة الشعرية وإضاءة دلالاتها العميقة ، وإعادة العملية الإبداعية عنده إلى الموهبة الفنِّيَّة الفذَّة التي يمتلكها ، وأنَّه – في الوقت ذاته - جَهَدَ ـ- أيضاً - إلى إظهار الوسيلة المستخدمة في إبداع النصوص ذات الطابع اللوني ، وبيَّن فيه آلياته التي تعتمد على اللغة الأداة المهمة في تشكيل الألوان المختلفة في النصوص المتنوعة ، مما حتَّم على المتلقِّي تحمل عبء التعامل الواعي مع نصوص ابن خفاجة ، بحجَّة بيان الأبعاد الدلالية العميقة التي تتمركز فيها . أو تدور حولها بوصفها قطباً مركزيٍّاً ، تنشأ عنه الصور المفردة في القصيدة . وقد وظف ابن خفاجة الألوان توظيفاً ذا دلالة دقيقة في رسم صوره الطبيعية الخاصة ، وكان يرمي من ورائه بيان ولعه بالطبيعة ، وغرامه بها ، إذ عملت الألوان على بلورة الحسَّ الفني لدى ابن خفاجة ، وقد توزَّعت الألوان عبر عدَّة محاور . كان البحث يتعامل معها ، وقد عكست هذه الصورة اللونية مُعاناة ابن خفاجة النفسية والعاطفية وتساوق أفكاره مع قيم الطبيعة ، وقد استثمر ابن خفاجة الإمكانات الفنية التي تتجلَّى في الألوان ، بما فيها من طاقة إيحائية بأساليب متعددة ، مفعمة بالدلالات التي تنضوي تحت طبقات النص المعرفية . ومن الجدير بالذكر أنَّ الموروث الثقافي الذي استقى منه الشاعر مادَّته كان مفعماً بالدلالات الإيحائية ، ومن هنا كان جديراً أنْ يعدَّ شاعراً ذا ملكة فنية خلاَّقة ، اتخذت الموروث الثقافي الهائل مجالاً لمعارضته والنسج على منواله ، ومن المعروف أنَّ تأثره بالمناهج الشعرية كان عن طريق الاطلاع على هذا التراث ، وقد أعرب ابن خفاجة عن مدى تأثره بالمدرسة المشرقية ، جاء ذلك في مقدِّمة ديوانه التي كتبها بأسلوبه الخاص ِّ، إذ ألمَّ بطريقة عبد المحسن الصُّوري تشبُّهاً به ، وأنَّه حام حول مسلك الموسوي الرضي ، وقد اقتفى ــــ أيضاً ــــ منهج مهيار الديلمي ، واحتذاه في بناء قصيدته ، وتأليف أسلوبها بما يشوقه ويهزُّه ويروقه .