الدين عند الرصافي من خلال كتابه «الشخصية المحمدية»

Abstract

قدم الرصافي (1877-1945) في كتابه «الشخصية المحمدية» أو حل اللغز المقدس سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من وجهة نظر قومية، عادّاً شخصية محمد  شخصية قومية فذة مجرداً إياها من النبوة والرسالة بالمعنى الديني المتعارف عليه، محاولاً تفسيرها تفسيراً صوفياً يتماشى مع فهمه لنظرية وحدة الوجود التي تبناها من دائرة الفكر الصوفي الإسلامي، لاسيما عند ابن عربي، محاولاً أن يمزجها بنظريات ومناهج العلم المعاصر، مثيراً قضايا ومسائل أثار بعضها قديماً المعارضون للدين في تاريخ الفكر الإسلامي، وروج بعضها الأخر المستشرقون في العصر الحديث. وتبني الرصافي للأفكار القومية جعلته يقرأ السيرة النبوية قراءة قومية، مازجاً بين الأضداد والمتناقضات ليخرج بنظرية بطولة محمد  القومية وتمكنه من تأسيس دولة عربية عظيمة. ويبدو أن الواقع السياسي العربي المزري الذي كان يعيشه الرصافي والتخلف الفكري مقابل التقدم العلمي والتكنولوجي للغرب هو الذي دفع الرصافي لقراءة الإسلام وفقاً لهذه الرؤية، والذي يميز الرصافي في دوائر الفكر العربي الإسلامي المعاصر. إنه مع تبنيه مبادئ الفكر العربي القومي من أمثال: شبلي شميل (1850- 1917)، وفرح أنطوان (1874- 1922)، وسلامة موسى (1887 - 1958)، وإسماعيل مظهر (1891-1962) وغيرهم، إلا أنه مزجها بنظريته بوحدة الوجود. كما تميز أيضاً بأنه مع إعجابه بما أنجزه الغرب من تقدم علمي وتقني، إلا أنه رفض الاصطفاف مع المفكرين العرب الذين روجوا لحضارة الغرب ووجوب الاقتداء بها، كما رفض الاتجاهات الفكرية السلفية التي دعت إلى العودة إلى عصر النبوة والصدر الأول من الإسلام، واصفاً إياها بعدم الفهم الحقيقي للإسلام وتمسك أصحابها بالقشور من دون لب الإسلام وجوهره. وهو مع إشادته بتعاليم الدين الإسلامي الحقيقي وتفضيله إياه على جميع الأديان وبشخصية محمد  كونه أعظم عظماء البشر، وإيمانه بوحدانية الله وتمسكه بأنه من المسلمين، إلاٌ أن الأفكار والقضايا التي أثارها لا تنسجم مع المبادئ العقدية للإسلام. وقمت في بحثي هذا بتوضيح منهجه وآرائه في نقد الدين والفكر الديني، وبيان الأصول الفكرية لآرائه، إذ كانت كثير من هذه الآراء موجودة عند ابن المقفع (ت 142هـ/759م) وابن الراوندي (ت 298هـ/910م) وأبي بكر الرازي (ت 311هـ/923م) وغيرهم، كما أثارها بعض المستشرقين في العصر الحديث. والذي دفعني لاختيار هذا الموضوع هو عدم تناوله من قبل بحسب علمي، ولسبقه في هذا الكتاب طرح كثير من القضايا والمسائل الدينية التي أصبحت الشغل الشاغل لكثير في المفكرين العرب المعاصرين بعد الاستفادة من المفاهيم والمناهج النقدية الغربية من أمثال: نصر حامد أبو زيد ومحمد اراكون وحسن حنفي وغيرهم، وإن كانت أقل حدة، وذلك لان كثير من المفكرين العرب المعاصرين –الذين تمت مقارنة أفكارهم بفكر الرصافي في هذا البحث– كان نقدهم منصباً على نصوص الفكر الديني للمتكلمين والمفسرين والفقهاء والمحدثين؛ كونها خطابات تحتمل الخطأ والصواب، لا على نصوص دينية مصدرها إلهي( )، بخلاف الرصافي فقد تناول هذه القضايا بالنقد والتحليل بغض النظر عن كونها ذات مصدر إلهي أو إنساني، وذلك لأنه عد جميع النصوص الدينية منتج فكري بشري. وقد عرضت في هذا البحث أهم القضايا الدينية عند الرصافي في كتابه «الشخصية المحمدية» وقمت بتحليلها ومقارنتها بآراء المفكرين والفلاسفة والمستشرقين السابقين والمعاصرين، واعتمدت المنهج النقدي العقلي في معالجة هذه المواضيع الحساسة والمهمة. واشتمل البحث بعد هذه المقدمة على خمسة مباحث وخاتمة، تناولت في المبحث الأول منه مناهج البحث عند الرصافي في كتابه هذا، والمبحث الثاني درست فيه آراءه الفلسفية في الذات الإلهية والصفات، وهي من المواضيع الرئيسة في الدين فعليها تبنى المسائل الدينية كافة من اعتقادات وعبادات ومعاملات وأخلاق، وفي المبحث الثالث بينت مسألة النبوة والقضايا الغيبية عنده، أما في المبحث الرابع فتناولت فيه بعض النماذج من آرائه في العبادات والأحكام الشرعية، وكان المبحث الخامس عن علاقة الدين بالأخلاق، وجاءت الخاتمة لتتوج هذا البحث بأهم النتائج التي توصلت إليها. والله ولي التوفيق.