دلالة المعنى في الفلسفة الاسلامية الفارابي وابن سينا انموذجين

Abstract

في عموم فلسفة اللغة ظهرت مشكلات منها قراءة النص وتأويله والدال والمدلول عند البنيوية (1) والتفكيكية(2), وهي ابراز مشكلات الفلسفة التي تشغل بال الكُتاب المعاصرين لا سيما في فرنسا وامريكا , ونحن نجد الكُتاب العرب يتبعون الغرب في حركاتهم وسكناتهم, ولا يرجعون الى الاصول الفلسفية التي كان اليونان اول من تحدث فيها ثم العرب الذين تراثهم في ذلك يسع مئات الدراسات والبحوث ان لم تكن بالألاف , مثل الكندي ((ت 252هـ)) والجاحظ ((ت 255 هـ)) والفارابي((339 )) وابن جني ((ت392هـ)) وابن سينا ((تـ 428هـ)) والغزالي ((ت 505هـ))وابن خلدون ((ت808هـ)), واكتفى العرب بما نشره المفكرون الغربيون في هذا الجانب , وكأن فلسفة اللغة ودلالات المعنى بخاصة وليدة القرن العشرين مع بيرس ((1914م))وديسوسير ((1913م)). وكانت الفلسفات اليونانية والاسلامية , قد وضعتا اسس دلالة اللفظ والمعنى , وعلاقة اللفظ بالفكر , والفيلسوف يبحث عن الحقيقة , والحقيقة قد تكون عقلية او حسية او حدسية , وكل الحقائق معاني تحتاج الى رموز او دلالات او الفاظ او شفرات للتعبير عن المعنى المقصود , فكل العلوم وفعاليات الانسان , لها رموزها وادواتها في التعبير عن المعنى وقد يكون ثابتاً او متغيراً , فعلوم الكيمياء والحساب والاقتصاد وغيره , بحاجة الى اداة للتعبير عن المعنى وحتى السلوك الانساني والحيواني من فرح وحزن وتعجب وحب وكره . وفي اهمية هذا الموضوع للفكر الفلسفي اقول: ان الانسان عندما يولد لا يملك غريزة ينطق بها سوى البكاء, بعكس الحيوان فلو جربنا وضع بيضة بلبل في العراق وبيضة بلبل من الام نفسها في كندا عندما تفقس البيضتان فالبلبلان كلاهما يغردان التغريدة نفسها اي الدلالة الصوتية نفسها التي يفهمها كل بلابل العالم, غريزيا لكن لو وضعنا طفلاً حديث الولادة في العراق واخيه التوءم في كندا فكل واحد منهما سوف يتحدث لغة القوم فكريا لا غريزيا اي لغة مكتسبة (دلالات من نتاج العقل) وهذه اللغة المكتسبة جاءت نتيجة استحداث الانسان للفظ او الحركات الدالة على المعنى بحسب الحاجة , اي يخلقها الانسان كما يخلق حاجاته, فهي اذن من ضمن نتاجات الفكر والحضارة والبيئة والموروثات . واللغة لا تقف عند حدٍ معين فهي متجددة على وفق تطورات الانسان في العيش وابتكار العلوم اي لكل علم تستحدث الأفكار والالفاظ والرموز المعبرة عنه, فالعصر المسماري عصر الصورة كان معبراً عن ثقافة عصر في زمان ما ومكان ما , وكذا الفلسفة اليونانية والوسيطة والحديثة والمعاصرة وبحسب المكان والزمان واحيانا لكل فيلسوف افكاره ومصطلحاته , وكل حزبٍ بما لديهم فرحون . وقد ابدع الفلاسفة في ذلك فالفيلسوف قد يصيغ دلالته بصورة ادبية او رمزية او حتى منطقية ,ومع الفلسفة الاسلامية لم يكن سردا مملا , ولغة بسيطة , وانما كانت تلبس صورا مختلفة وتتزين بأشكال من القصائد الفلسفية ببحورها ومجازاتها وسجعها , والقصص الرمزية ذات الدلالات العقلية والبلاغة والطرائف , والمواقف والعبر , وتحريك للعقول والارواح , حتى ان الموسيقى لها اثر في التراث الفلسفي الاسلامي . يقول الجرجاني في تعريف الدلالة :" هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ,والشيء الاول هو الدال , والثاني هو المدلول , وكيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الاصول محصورة في عبارة النص , واشارة النص , ودلالة النص , واقتضاء النص , ووجه ضبطه ان الحكم المستفاد من النظم اما ان يكون ثابتاً بنفس النظم اولا , والاول ان كان النظم مسوقاً له , فهو العبارة وإلا فالإشارة , والثاني ان كان الحكم مفهوماً, من اللفظ لغة فهو الدلالة , او شرعاً فهو الاقتضاء , فدلالة النص عبارة عما ثبت بمعنى النص لغة لا اجتهاداً "(3). والدلالة في عند جميل صليبا " هي ان يلزم من العلم بالشيء علم بشيء آخر , والشيء الاول هو الدال والثاني هو المدلول , فان كان الدال لفظاً كانت الدلالة لفظية , وان كان غير ذلك كانت الدلالة غير لفظية . وكل واحدة من اللفظية وغير اللفظية تنقسم الى عقلية , وطبيعية , ووضعية "(4). اما المعنى فيعرفه الجرجاني بـ " ما يقصد بشيء" والمعاني " هي الصور الذهنية من حيث انه وضع بإزائها الالفاظ والصور الحاصلة في العقل , فمن حيث انها تقصد باللفظ سميت معنى , ومن حيث انها تحصل من اللفظ في العقل سميت مفهوماً , ومن حيث انه مقول في جواب ماهو سميت ماهية , ومن حيث ثبوته في الخارج سميت حقيقة , ومن حيث امتيازه عن الاغيار سميت هوية " (5). والمعنى عند جميل صيبا " هو الصورة الذهنية من حيث وضع بإزائها اللفظ , ويطلق على ما يقصد بالشيء , او على ما يدل عليه القول , او الرمز , او الاشارة . ومنه دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي او المجازي ,ودلالة القول على فكرة المتكلم , ودلالة اللافتات المنصوبة في الطريق على اتجاه السير , ودلالة السكوت على الاقرار , ودلالة البكاء على الحزن " (6). يقول عادل فاخوري في الدلالة على المعنى : عند العرب توافق عام على تقسيم الدلالة ثلاثة أنواع : عقلية وطبيعية ووضعية (7). وان هذه الدلالات عند فلاسفة الاسلام نجدها في المنطق , فاكثر مشكلة تواجه المنطق هي التعبير عن الفكر الذي لا يتم الا في اللغة او الرمز او العلامة , " لذلك اتهم نُقاد المنطق من العرب القدامى , المنطق بانه تعبير عن قواعد اللغة الاغريقية فهو ليس إلا Organon اي آلية هذه القواعد , وهذا هو الاسم الذي اعطي لمجموع مؤلفات ارسطو والتي ترجع الى العصر الهلنستي , اي القرون الثلاث الاخيرة قبل الميلاد وكلمة اورجانون معناها آلة" (8) ودراستنا هنا مع دلالة المعنى في الفلسفة الاسلامية تتناول أنموذجين هما الفارابي وابن سينا, وقد توخيت استعمال المنهجين الوصفي والتحليلي , وتقسيم الدراسة في هذا البحث جاءت على ثلاث فقرات هي : وقفة مع الاصول الفلسفية , ثم مع الفارابي ثم ابن سينا وانتهاءً بالخاتمة .