الثورات الفكرية في الشعر الجاهلي

Abstract

إرتبط الإنسان منذ وجوده بمجتمعه ، وخضع راغما أو مستسلما لأعراف هذا المجتمع وتقاليده ، التي ألقت بظلالها على سلوكه وأنماط تفكيره ، ولأن للنفس طاقة وللعقل منطق ، وللفرد فكر ، فقد تمرّد بعض أفراد المجتمع على قوانينه ، وتقاليده التي لم تعد تتناسب والتطور المجتمعي والنفسي والفكري لأفراده ولا يخفى على الباحثين ودارسي المجتمع والتأريخ والأدب الجاهلي ما كان يميزه من قوة ارتباط الفرد بأرضه وقبيلته ، ومن شدة قوانين هذه القبائل وصرامتها ، حتّى غدت قيدا ثقيلا على بعض أفراده ، فتمردوا عليها وثاروا ضدها فكريا ، كالظلم والعبودية ، وعدم الاعتراف بأبناء الإماء والسود والعبيد ، وتسخيرهم للخدمة والمهانة لذلك وجّه الجاهليون ولا سيّما الشعراء منهم صرخات استنكار على هذا الواقع المرير ، ليعلنوا رفضهم وتمردهم على كل ما لا يوافق ميولهم وأفكارهم 0 وقد ثاروا كذلك على الملوك الحاكمين آنذاك فوجّهوا إليهم النقد والتقريع ، ورفضوا قوانينهم التي أصدروها بحق الناس كدفع الرسوم والإتاوات بالقوة ، ممّا أثقل كواهل العامة وجعلهم يضيقون ذرعا بهذه الأوامر التي لا تعود إلا بالضرر على الرعية ، فضلا عن ثورة بعض الشعراء على الملوك الذين سعوا إلى إشعال نار الفتنة بين القبائل وزرعوا بينها المناحرات وقدح فتيل الحرب 0ووصل الحدّ ببعض الشعراء الجاهليين إلى هجاء الملوك والطعن في شخصياتهم لتعريتهم أمام المجتمع ، فوصفوهم بالكذب والظلم والغدر وعدم حفظ الأمانة أو رعاية الجار أو الوفاء بالوعود ، وغير ذلك ممّا جرّ الويلات على بعض الشعراء بحبس الملوك إياهم أو قتلهم ، لكن أشعارهم ظلت خالدة حملت في طياتها عنفوان التمرد والثورات الفكرية على الظلم والطغيان 0