تجليات الرفض في شعر فدوى طوقان

Abstract

لعل من نافلة القول أن نقرّ بحقيقة كون المبدع ـ أيّاً كان جنسُ المدونةِ الإبداعيةِ التي يُنتِجُها أو نوعها ـ من أكثرِ الناس ميلاً إلى الخروج عن المألوف ، والابتعاد عن السائد المعروف، من خلال ما يجترحه من انزياحات مقصودة سواءً في اللغة ، أم في الأسلوب ، أم في الفكر، أم في المفهوم ... ذلك أن جوهرَ الذاتِ المُبدِعة يتأسسُ على مبدأ الابتداعِ ، لا الإتباع .
وعليه فـ (الرَّفضُ) أو روحُ التمرُّد والثورة لا تكاد تنفصِلُ بحال من الأحوال عن غائيةِ الفن بعامَّة ، والأدب منه بخاصَّةٍ ، وإنْ كانت تتفاوتُ بينَ الخفاءِ والتجلِّي من مبدعٍ لآخر ، وفقا لأسلوبه ومنهجه الفكري والفني ، فضلا عن ملابسات حياته وبيئته التي تجتذبه نحو اتجاهات دون أخرى ، كما هي الحال مع الشاعرة فدوى طوقان ، التي نشأت في ظل عصر ذكوري تنوء فيه المرأة تحت وطأة القيود الاجتماعية الصارمة ، التي قلما تسمح للمرأة بالحرية في الإفصاح عن آرائها ومشاعرها الخاصّة ورغباتها المكبوتة ... هذا فضلا عن ظروف الاحتلال القاسية التي مارست أقسى أنواع الاضطهاد النفسي والفكري والثقافي فيما بعد ، الأمر الذي ألهب إحساس الشاعرة ، فتعاظمت في ذاتها شعلة التمرد وروح الثورة لتنبثق منها جذوة الرفض ، بكل ما يتشظى من هذه المفردة من معان وقيم ايجابية .
فالرفض ينماز عن بعض ما يجاوره من مصطلحات كـ (الاغتراب ، والانفصال ، والتشيؤ...) بما يكتنزه من طاقة تعبيرية لها القدرة على تحويل المعطيات السلبية إلى معطيات ايجابية تتشكل عبر منجزات وإجراءات فنية وإبداعية وفكرية ، تسهم بشكل أو بآخر في رفد تيار التغيير على ارض الواقع .
لذلك كانت فدوى طوقان من بين أبرز الشاعرات العربيات ـ بعد الملائكة ـ وأكثرهن جرأة في التطرق إلى موضوعة الحب والحرية، حيث تغنت بمواعيدها مع الرجل وقاربت بعض قصائدها من نبرة نزار قباني في تجاوزه المتعارفات الاجتماعية، وهي بهذا التجاوز شقت طريقا وعرا لاستلال صوت المرأة من غياهب الكهوف المظلمة ، وتعريته من جلابيب الاستلاب والتصميت والاستعلاء الذكوري ، ليرتفع ذلك الصوت ، محاوراً ...، ومُآزراً،... ومعاتبا.
ولكن هذه الصورة المشرقة للرفض لم تكن دائما متواترة في شعر فدوى طوقان ، إذ سرعان ما ارتطمت تلك الجذوة المتوقدة بصخرة الواقع المأساوي ، فمن مأساة الفَجْعِ الخاصَّة ، التي تمثلت بموت إخوتها إبراهيم ونمر، إلى مأساة الفجع العامة ، التي تمثلت بالاحتلال والنكسات السياسية المتعاقبة، وعلى الرغم من ذلك بقيت فدوى طوقان تتشبث بتلابيب الحلم ، ليبقى صوتها مراوحا على أعتاب الرفض ، فتارة يصدح وتارة يذبح .
من هنا جاءت الدراسة لتكشف عن تجليات الرفض في شعر فدوى طوقان عبر ثلاثة محاور : الرفض الميتافيزيقي ، والرفض الاجتماعي ، والرفض السياسي ، راصدة بذلك السبل الفنية التي اعتمدتها الشاعرة للتعبير عن تلك المحاور .