مقومات التنغيم ودلالاته

Abstract

ملخص البحث تكتسب اللغة أهميتها إنطلاقاً من كونها وسيلة للتواصل الإنساني، ومن هنا تعددت الدراسات وتنوعت حول هذه الخاصية البشرية التي تتجسد وتتشكل من خلال منظومة صوتية لها سننها، إذ ((تتألف كل لغة من تنظيم صوتي تجتمع فيه الوحدات الصوتية وفق نسق معين لتصبح كلمات ومن بنى معجمية وصرفية ونحوية ومن أنظمة جملية تؤدي المعنى المقصود ويصبغه الاسلوب بصبغة معينة))( ).وفي وسعنا أن ننطلق في هذا البحث من تعريف ابن جني (ت 392 هـ) للغة في أنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم( )، مستشرفين من مقولته هذه أفكاراً ومعطيات على صلة مباشرة بموضوع البحث، إذ تفصح عن وظيفة الصوت وهي التعبير عن الأفكار، ومن ثم تحقيق غرض ما والوصول الى دلالة ما، ونظرة هذا العالم الجليل تنطلق من ماهية اللغة ووسيلتها، من هنا تنطلق كثير من الدراسات من الأصوات بوصفها ركيزة لأي دراسة لغوية ((فدراسة الأصوات، ومعرفة أقسامها، وصفاتها، وما يعرض لها من تأثير هي البداية التي تنطلق منه أي دراسة لغوية)) ( ).وبحثنا هذا على صلة مباشرة بالأصوات وبالتحديد علم الأصوات الوظيفي، فالأداء (الصوتي) الكلامي الذي يتجاذبه البشر لا يسير على وتيرة واحدة، بل تتنوع وتتغير نغماته بما يقتضيه سياق الحال والموقف والظروف المحيطة بالمتكلم والمخاطب، وهذا التنوع والتغير في نغمات الأصوات يعرف في اللسانيات بالتنغيم (Intonation)، وعند توصيف هذه الظاهرة تتجلى أهمية ((الصوت اللغوي من حيث هو حدث إنساني وحركة تنتجها أعضاء النطق وتتلقاها أعضاء السمع وفي وصف الالة المصوته وفي وقائع الأحداث الصوتية، أي معالجة مخارج الأصوات وصفاتها وكيفية النطق بها وإنتقالها من المتكلم الى السامع بواسطة نشاط عضوي وحركي يظهر في علم التشريح والفسلجة)) ( ).وتتبع هذه العمليات الفسلجية، في جانب مهم منها التغيرات الصوتية التي ترافق عملية النطق والتي تتنوع بتنوع طريقة نطق الصوت – في أثناء الكلام – وهذا بطبيعة الحال ناتج عن تغير يرتبط بتذبذب الوترين الصوتيين، يقوم أساساً على توترات منخفضة أقل من 300 هرتز. فالنغم، بوجه عام، يتعلق من المنظار الفيزيولوجي بنظم النفس الخارج من الرئتين، ذلك أن الضغط الآتي من عضلات البطن والصدر يزداد تدريجياً في بداية الزفير ثم يضعف في النهاية، مما يؤدي الى إرتفاع تدريجي في علو الصوت يتبعه إنخفاض فيه، وهذا يعني أن التنغيم لا يصاحب الفونيم أو المقطع، بل يستند الى تركيبه أكبر مثل الكلمة أو الجملة، إلا أنه يساعد في تمييز النبر الذي يقع على المقطع أو الكلمة( ). من هنا كان تتبع هذه الظاهرة ورصد مقوماتها من خلال التراكيب التي تتشكل عبر الأداء الصوتي، ولعل ((المبرر لإمتداد التحليل الفونيمي ليشمل الملامح الصوتية المرتبطة بحدود ما بين الكلمات، هو أن كل إختلافات صوتية في أي مكان ومن أي نوع يكون لها صفة التقابل أو التميز في بعض المحيطات الفونولوجية يجب أن تلحق بفونيم أو فونيمات ملائمة، و يكون لها مركز لغوي يماثل ذلك الذي أعطي للفونيمات التركيبية من العلل والسواكن على الرغم من أن الظواهر الصوتية الموجودة تختلف في كل نوع))( ). ومن هذا المنطلق تبرز علاقة التنغيم بعلم الأصوات النظري من جانب، وأهميته ومكانته في علم الأصوات الوظيفي.ولا يختلف الباحثون في علم اللغة في تعريف التنغيم، لذا يمكن تلخيص كلامهم فيه بتعريف ذكره عالم من علماء اللغة بقوله (وهو مصطلح يدل على إرتفاع الصوت وإنخفاضه في الكلام، ويسمى أيضاً موسيقى الكلام، إننا نلاحظ أن الكلام تختلف نغماته ولحونه وفقاً لأنماط التراكيب والموقف، ويساعد هذا الإختلاف على فهم المعنى المقصود) ( ). ومن خلال هذا التعريف يمكننا الولوج الى مقومات التنغيم ودلالاته.