مقاربة ( التعرضن )في الرواق الابستمولوجي للتناص

Abstract

كان من الضروري للبنيوية التي فرضت حضورها على نقد الفكر المعاصر في فترة الستينيات من القرن المنصرم. أن يكون لها من المريدين والخصوم يوصفها حركة فكرية بالغة التأثير في مجال الدراسات الانتروبولوجية، والماركسية وموقفها من الأدب والتحليل النفسي والتاريخ .
وكما وجدت هذه الحركة أنصاراً لها فقد وجدت حركة ما بعد البنيوية أنصارا لها ايضاً استندت في ارائها الى التصدي لما اتسمت به البنيوية من الأبهام وعدم الوضوح حيث تميز على سبيل المثال مجموعة من انصارها ممن تخلوا عنها امثال (التوسير ). ( فوكو). (بارت) مع ملاحظة من عدل في منهجه منهم وأدمج بنيويته فيما يسمى بجدال ما بعد البنيوية ونقصد بذلك ( ليفي شتراوس).
ويستمر فعل التغذية العكسية ( الابستمولوجي ) في التطور عند حركة ما بعد البنيوية عبر آرائها ومناقشاتها حول جوانب عدة منها الزمان والمكان و اراء الفلاسفة الجدد وبعض ممن رفضوا طروحات (ماركس) و(فرويد) وذلك انتماءاً ودفاعاً عن الحرية الفردية، حتى تشكلت حلقة مهمة هي جماعة مجلة (تيل كيل) التي بحثت في مجال فلسفة اللغة وكان أهم ما ركزت عليه هو موضوعة ( التناص) الذي بداء شيوعه من خلال ربطه بعلم الدلالة والتفسيرات المرجعية في النظرية النقدية .
وقد استفاد الفكر العربي المعاصر من انتقال هذه المفاهيم التي كانت تخالط المعاني العديدة من أمثال التأثير والتأثر ومفاهيم الأعداد والاقتباس والاستلهام ومحاولة التفريق بينها وبين السرقة الأدبية حتى زخرت المكتبة بالعديد من الدراسات الحديثة التي عنيت بـ(التناص) ومفاهيم (التخارج النصي) والنقد الفقه – لغوي (الفيلولوجي)( ) في مجال التأثيرات والمرجعيات الأدبية – حيث كان للنص المسرحي نصيب في مثل هذه الدراسات النصية كواحدة من الإشكاليات التي صار يعنى بها الكثير من النقاد المسرحيون مؤخراً رغم وجودها السابق في التداول الأدبي بشكل عام. فالتناص في الأدب هو مفهوم إجرائي يقوم على تفكيك شيفرات النصوص ومرجعياتها سواء المباشرة أو المفترضة، حيث يصفها (أيجيلتين)(*) بانها دوران بيئي فعلق للنصوص، وبالتالي فهو كشف عن البنى التحتية.
من هنا جاء الاهتمام بهذه الظاهرة الأدبية حتى صارت تشكل هماً بحثياً لدى بعض المعنيين بالتنظير للنقد والتأليف في المسرح العراقي.
فعلى الرغم من أن هذه الظاهرة لا تشكل منهجاً نقدياً متكاملاً قدر ماهي جزء من منهج نقدي او انها منظومة اشتغال تحليلية تنطلق من منهج النقد المقارن ليتبلور شكلها كمنظومة تحليل في مناهج البنيوية وما بعد البنيوية وتيار اليسار الجديد في النقد وتيار الشكلانية. حتى أخذ التناص في الحقل الصيغي شكلاً له هو " بمثابة أداة مفهومية بقدر ما هي علامة فهي رواق أبستمولوجي يشير الى موقف، الى حقل مرجعي، والى رهانات معينة "( ) وهكذا فقد ظل المصطلح يخضع بشكل مستمر الى تحويل وتحريك بوصفه رواقاً لمرجعيته المفهومية التي يكتسب اهميته من خلالها.
فالنص بوصفه منجزاً ابداعياً يضعنا من أجل أختبار قدرته على الاستيعاب والتعبير امام احتمالين للقراءة. الأول هو أننا نستطيع أن نبقى ننظر الى النص ونعامله كنص بالا عالم وبلا مؤلف أي بلا مبدع وفي حالة كونها عملية ابداعيين عامة ففي مثل هذه الحالة سنشرح هذا النص او المنجز الإبداعي عن طريق علاقاته الداخلية، أي بنيته، أما الاحتمال الثاني فهو اننا نستطيع أن نزيل جو الترقب والنظر الذي يطرحه النص وننجزه بطريقة مشابهة الى الكلام ونعيده الى الاتصال الحي، وفي مثل هذه الحالة اننا نقوم بتاويل له ( ).
ومهما يكن من امر فأن الدراسات والبحوث الجديدة في هذا المجال قد توصلت الى اشتقاق تعاريف إجرائية تقوم أحيانا بمحاولة لضبط معايير مفهوم التناص لتوظيفها في القراءة الإنتاجية للنص اولاً وبالتالي يمكن اعتمادها كمنجز نقدي عند اجتلابها الى ميدان آخر وربما ميدان اكثر سعة في عناصر بنيته مثل (العرض المسرحي) بوصفه خطاباً.
وانطلاقاً من مفهوم أن النص هو بنية للخطاب(الميتا لساني)… وأن كل نص هو تناص يقوم بهضم النصوص التي سبقته وتمثلها وتحويلها( ) أي أن آخر قصة كتبت وآخر قصيدة كتبت هي بالضرورة تتعالق وتتناص مع أول قصيدة في الشعر واول قصة من حيث بنيتها ومرجعياتها وحيث أن التناص في الأدب قد أخذ شكل الظاهرة التي تنتسب الى الخطاب وهو في الوقت نفسه أداة للكشف عن قوانين كلية للإنتاج الفني بمعزل عن مبدعه.
فأن هذا البحث المتواضع يهدف الى محاولة اجتلاب هذه الأداة المفهومية (التناص ) واعتمادها للتأسيس في قراءة لخطاب العرض المسرحي في ضوء بعض اليات اشتغاله وأنواعه والعمل على تطويعها بالاشتراك مع ما يتوافر عليه العرض من عناصر فنية وما يتمتع به من خصوصيات اتجاهية يمكن ان نرصد من خلالها تعالق العرض المسرحي مع ما سبقه وتزامنه معه وما هي المرجعيات في بنية هذا العرض، وذاك ليس في مجال التناص الكلي وأنما بالقدر الذي يمكن آن ( تتعرض) فيه هذه المرجعيات بين كل عرض وآخر وما هي مظاهرها. اذ يمكن انتخاب شريحة من العروض كالتي يتعرض لها هذا البحث والتعامل معها من باب فرضية أن البحث في الثقافة بشكل عام هو ضرب من ضروب الرياضة الروحية المعاصرة. فضلاً عن انه يسعى الى تأصيل هدف ( التعالق ) من خلال أمكانية النظر في خاصية مثل ( التعرضن ) في مقابل ( التناصي ) عبر قراءة معينة او منهج اجرائي يمكن أن تكون له ادواته ووسائله التحليلية مستقبلاً بحيث يمكن ان تساعد الناقد، والقارئ المتخصص في كشف البنى التحتية للعرض وتعرية دواخلها في قراءة ( نقدية ابستمولوجية ) للعرض المسرحي ثم ان ( التعرض ) لا يضيف شكلاً حديثاً الى العرض بل هو خاصية كامنة فيه. فهو يشير الى الفاعلية المتبادلة بين العروض لتوكد عدم انغلاقها وانفتاحها على بعضها البعض حيث أن فعل العرض وصيغه البنوية متداخلة مفتحه على بعضها منذ أول عرض مسرحي عرفته البشرية وحتى يومنا هذا. أما في حدود البحث، فطالما أنه من الممكن أن يتوجه الى أي شريحة من العروض فقد وجد أن يتوجه الى ( عروض طلبة واساتذة كلية ومعهد الفنون ) بوصفهما الميدان الأقرب في عروض تتعامل مع التطور النوعي والدراسات النظرية في جماليات العرض الحديثة. كما أن الفترة هي ( العقد الأخير) الذي شهد تقارباً في خصائص العروض وقابليتها على تحقيق الأصالة الابستمولوجية عبر الفاعلية المتبادلة بين العروض وعدم انغلاقها، وهذا ما وضع البحث امام منهج (وصفي تحليلي) بعيداً عن المألوف في الانفراد بعينه محدودة ودراستها تفصيلاً وانما العمل على تفعيل وتحريك الإحالات والتعالقات أينما وجدت ليبقى باب البحث في أن واحد ولاكثر من عرض مفتوحاً لدراسات وبحوث اكثر سعة.
لقد وجدت فكرة إقصاء المؤلف عن نصه رواجاً في المناهج النقدية الحديثة من خلال ما قدمته الالسنيه من دراسة لفكر وحياة ومستويات الشعوب من خلال اللغة … فالبنيويون قد عمدوا الى توضيح وتفكيك النظام السائد للأفكار والمؤسسات وأن من يلاحظ هذا الامر من خلال وجهة النظر المعاصرة سيتحسس حتماً أن خلف هذه البلاغة البنيوية بعاً من الأمزجة الرافضة لما هو تاريخي او تقليدي مما يسود الساحة.
وهذا ما يتصل بفكرة قوامها أن لا يوجد منهج واحد او موقع واحد وتفسير واحد صحيح اكثر من غيره فكل هذا التركيز على التغيير والتحول على عالم في حالة صيرورة دائمة يمثل تحولاً جذرياً في العمل على تفكيك النظم السائدة وقرائتها بوجهة نظر جديدة من خلال هذه النتيجة يحاول هذا المبحث ان يتقصى مفهوم ( التناص ) وتعاريفه المقترنة بالخطاب (النص) ومدى التعالق بينه وبين النصوص أو المرجعيات الاخرى وصولاً لاالى محاولة ضبط مفهومية بقدر ما هو سعي باتجاه ابراز بعض اليات التناص وانواعه ووظائفه للاستعانة بها ( كرواق ابستمولوجي يشير الى موقف الى حقل مرجعي).( ) لأن ( التناص) كمصطلح تتغير دلالته من باحث الآخر تبعاً للمفهوم الذي يسعى الباحث باتجاهه – ولكن الاهم أنه يندرج في مظهره العام في الإشكالية الإنتاجية للنص وكيف يتبلور هذا النص او ذاك… فالتناص كلمة تشذ عن كل اجماع وتتغير دلالاتها اذ تندرج في اطار (البويطيقيا التكوينية ) احياناً وأحياناً اخرى في ( استطيقا التلقي ) وعند البعض الاخر تكون في ( هرمنوطيقا فرويدية او على هامش الفرويدية وهي تتفق من حيث الوظيفه التي تجعل من التناص كسلاح نقدي وكافتتاح لاشكالية اكثر منها كصيغة أيجابية محددة توجه فيها كل دعاة التناص الى ابتسمولوجيا متعلقة بالمعرفة حيث النص المنظور اليه ككيان مستقل حامل لمعنى ملازم له وحيث يقوم كل عنصر وظيفياً بضبط العلاقة مع الكل .. وصولاً الى اقصاء النص عن مؤلفه والتوجه صوب مرجعياته والتأثير المتحقق . ( )

تعاريف اخرى
التعرضن : (( من باب ( عرض )) له كذا أي ظهر و( عرضته) أي أظهرته له وابرزته اليه و( التعريض ) ضد التصريح يقال (عرض) لفلان بفلان اذ قال قولاً وهو بعينه ، ومنه (المعاريض) في الكلام وهي التوربه بالشيء عن الشيء))( ). ويرى الباحث أن ( التعرضن ) هو نحت إصطلاحي جرى اشتقاقه من مزاوجة (التداخل ) في العروض المسرحية بتورية عرض عن عرض آخر مثل تورية الشيء عن الشيء او قول قولاً وهو بعينه – ومقتربه في المسرح تداخل العروض بأن يعرض بعضها البعض سواء بقصد او بغير قصد. (**)مقاربة: جاء في المنجد تعبير قاربه مقاربةً بمعنى ( داناه او حادثه) بكلام حسن وجاء قارب في الامر " بمعنى ترك الغلو وقصد السداد والصدق ".( ) والمقاربة اصطلاحاً "تعني كيفية الاقتراب من المادة او الموضوع ومعالجته ، والمعالجة ما خوذه من ( عالجه معالجه وعلاجاً ) أي زاوله ومارسه ".( )والمقصود كيفية التعامل مع الشيء، وفي الكتابات المعاصرة ترجمت الكلمة عن (Aproach) الإنكليزية " التي تعني طريقة لفهم موضوع ما ".( ) وقد وجد الباحث أن التعريف الأخير هو الأكثر خدمة للبحث ويؤدي غرضه مع الرواق (الابستمولوجي) المعرفي للتناص.