الأوضاع الاجتماعية والحضارية في القدس الشريف من خلال كتابات الرحالة العرب والأجانب إبان النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي

Abstract

الملخص يمكن بشكل نظري عام ، اعتبار كتاب الرحلة تدوين دقيق ويومي للمشاهدات والملاحظات ، ولكن هذا النوع الأدبي الذي بدا ظهوره في أوربا في القرن السادس عشرا لميلادي ، وعظم انتشاره ابتداءاً من النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي ، يمكن اعتباره نوعاً من الميدان الأدبي أي أدب الرحلات 0 وكثيراً مايلمح المرء بين شهادات هولاء الرحالة تفاوتاً واختلافاً يبلغ أحياناً حد التناقض ، إما التفاوت فمرده إلى تباين وجود الاهتمام عند هذا الرحالة أوذلك ، وإما الاختلاف فيرجع إلى إن مايسجله كل رحالة لايتجاوز إن يكون في اغلب الأحيان انطباعات عابرة زد على ذلك إن التطور الحاصل خلال نصف قرن مهما يكن بطيئاً لابد إن يبرز اختلافات في الأوضاع العامة في البلاد ، في حقبة دون أخرى ، ثم إن مايراه كل رحالة يقاس بطريقة المقارنة ، على نموذج معين في ذهنه عن الحدث الذي شاهده وتصوره 0 لقد كانت القدس الشريف مهوى أفئدة العديد من الرحالة العرب والأجانب ، فقد م لنا هولاء الرحالة الذين زاروا القدس الشريف تصوراً واضحاً لجميع أركان وأجزاء المدينة وبتفاصيلها الدقيقة من سوار المدينة ، وبواباتها ومساجدها ومقاماتها ، ومدارسها وكنائسها وأسواقها وحماماتها وقلعة القدس ، ٍوغيرها من التفاصيل المعمارية للمدينة ونمط الحياة اليومية لأهل القدس الشريف ، وقدموا وصفاً حياً لجلسات المقاهي والسمر والسهر 0 كذلك نقلوا لنا صورة عن علاقة الفلاح مع الدولة وخاصة فيما يتعلق بالضرائب أوتخوفه الدائم من غارات البدو واعتداءاتهم ، فضلا عن وصفهم لأنعدام الأمن على الطرق المؤدية إلى القدس واستعانتهم بالقوات العثمانية المحلية لحمايتهم ولإيصالهم إلى الأماكن التي يتجهون إليها 0 لكن مع هذا فان شهادات هولاء الرحالة لن تؤخذ دائما على وجهها الظاهري ، وستكون معارضتها بشهادات الوثائق العثمانية وسجلات المحاكم الشرعية والمصادر التاريخية المتيسرة امراً ضروريا لمقارنتها وبيان مدى صحة المعلومات التي يقدمها هولاء الرحالة في رحلاتهم ودعمها بهذه المصادر والاستفادة منها 0 طرحت هذه الدراسة بعض صور ملتقطة من صور ، رسمت في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي ، بفكر الرحالة العرب والاجانب وريشتهم ، وقد رسمها اصحابها من الواقع ، فالفارس دارفيو جاء الى القدس الشريف وهو لايزال يحمل كل روح الاجيج الصليبي ، على الرغم من كل ماسعى ان يبديه من فكر القرن السابع عشر الاوربي الموضوعي ، ولذا فأنه كان وهو يجوس في ارضها ، يتلمس ذلك الماضي في كل حناياها وبقدسية ، ولقد أثارت رؤيته لسندسها الأخضر ، وأماكنها المقدسة ، وفعاليات اهلها المختلفة ، بل وعيشه بين ظهرانيهم محبا وصديقاً ، أسى عميقاً في نفسه في نفسه ،عبر عنه في نقمه عارمة على الأتراك الحكام في القدس الشريف 0 بين العياشي وهو المغربي الاصل أنه لم يكن سهل التصديق بكل الحكايات الفولكلورية التي سمعها ، بل أنه في الواقع يرفض أكثرها 0 ومن جملة ذلك أنه كان يجنح الى عدم التصديق بصحة القبر المزعوم للنبي موسى (عليه السلام ) قرب القدش 0 وظاهر ان العيلشي لم يصدق اكثر هذه الروايات ،فأستخدم مرارا كثيرة كلمة (يقال ) أو (زعموا ) وماشاكل 0وفي حديث أبي سالم حول بعض المزارات كقبر النبي داود وعيسى عليه السلام مثلاً يظهر لنا أن الصراع على ملكية هذه المزارات كان قائماً في زمنه بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى 0 من الطبيعي أن يشيد أوليا جلبي ، وهو العثماني المخلص المقرب من بلاط السلطان العثماني بمذخرات سلاطين ال عثمان في القدس الشريف في غير موضع من رحلته ، وهو يشعرنا بشيئ من الزهو لأنتمائه للدولة العثمانية وسلاطينها 0 ولايجوز أن يغيب عن أذهاننا بعد هذا كله أن أوليا جلبي الذي أعتمد على مشاهدته الشخصية فيما دونه في كتابه ، كان جغرافياً كبيراً ورحالة من أعظم الرحالينالذين عرفهم الشرق ، وأن كتابه سياحتنامه مصدر في الدرجة الأولى من الأهمية 0وبه ختمت سلسلة الجغرافيين الرحالين الكبار من أهل الشرق 0 و نجمل القول فيما سبق بالتأكيد على أهمية المادة الغنية التي كتبها أوليا جلبي عن القدس وعلى مايمكن أستخلاصه منها من المعلومات القيمة والنادرة 0 غني عن البيان أن أهتمام الشيخ عبد الغني النابلسي كرجل دين وشيخ من شيوخ الصوفية الكبار منصرفا ً بالدرجة الأولى الى زيارة الأماكن المقدسة والمشاهد العديدة التي حفلت بها المدينة ووصفها والألتقاء بعلماء المدينة وأعيانها 0 أ ذقدم لنا مادة تاريخية عن القدس الشريف في الفترة التي زار فيها المدينة في نهاية القرن السابع عشر الميلادي ، وهو يبدي حذراً واضحاً من تقبل الحكايات التي كانت تروى له ، وتتصل بمشاهد الحرم القدسي الشريف المختلفة ، والتي لم يكن يصدق كثيراً منها 0 والواقع أن رحلة النابلسي يمكن أن تعتبر أفضل دليل للزيارات وضع للمدينة في الفترة العثمانية بأسرها 0 وربما كان الدليل لأكثر من غيره تفصيلاً 0 لاشك أن جميع ما في رحلة موندريل عن القدس الشريف يدور حول زيارة الأماكن المسيحية المقدسة ووضعها يومذاك ، الأأنها زودتنا بمعلومات هامة عن وضع القدس الاداري ، وطريقة تعامل السلطات العثمانية المحلية مع زوار المدينة وتقدم الخدمات والحماية لهم 0 فهذه هي القدس الشريف كما رأها زوارها شامخة عامرة بتراثها الابدي على مر العصور 0