مرتكزات العلاقة الوحدوية بين المسلمين ومقوماتها

Abstract

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد:فإن الجماعة الإسلامية لها دائرتها الوحدوية الخاصة ضمن منظومة الكون الواحدة، تتميز بمقومات الأخوة الإيمانية، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات:10، وتنتظم فيها بجامع العقيدة الواحدة، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ الأنبياء: 92، ولا ينسجم إيمانها وطبيعة انتمائها مع الصراع والتنازع: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا آل عمران: 105، متحدة في مسيرتها وحقائق دينها وفي أهدافها، وهي صف واحد أمام أعدائها، حتى أناط الشارع حقيقة إيمانها بحب بعضها لبعض، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».( ) وأقام نسق العلاقات بين أفرادها وجماعتها نسق أعضاء الجسد الواحد، «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تَدَاعى له سائر جسده بالسّهر والحُمَّى».( ) فإن طرأ على جسدها مرض التنازع دعاها إلى إصلاح حالها، بتحقيق مقتضى الإيمان بين أعضائها، وإعادة ريحها، وإقامة جسور المحبة والتعاون والتآلف، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الأنفال:1. لذلك فإننا إذ ننظر في طبيعة العلاقات بين المسلمين، أو بين مذاهبهم ومشاربهم، فإنما هو في الحقيقة بحث عن العلاقة بين الشيء ونفسه أو بعضه.ومثل هذا التصور والنظرة المتكاملة لما ينبغي أن يكون عليه المسلمون في علاقاتهم ببعضهم، يقتضي أن يكون الخطاب الذي يسود بينهم هو الذي ينسجم مع طبيعة هذه العلاقة، من حيث ترسيخها، وترقيتها، والمحافظة عليها، ونزع ما قد يعترض طريقها.لكنّ واقعنا لا ينتظم على مقتضى إيماننا، متنازعون في أحوال كثيرة، ومتفرقون على مناحٍ متعددة، حتى غدونا من أضعف الأمم، فمجتمعاتنا ينخر فيها سوس التعصب، وعثة النصب، تشق عصاها اختلافات فكرية وسلوكية، وتعيش في الغالب أوضاعا حادة من الصراع الفرقي، والتعصب المذهبي، يكمن أحيانا، ويستثار أحيانا أخرى بفعل الاستقطاب والمصالح الضيقة، حتى إذا استشرى تغيبت فيه كل الضوابط الدينية والأدبية، في الخطاب والسلوك.ولا مراء في أن الاستقطاب الفرقي، والتحدي المذهبي تبنته تيارات واتجاهات في المجتمع الإسلامي، كل منها يدعي الولاية الفكرية على غيره، ويحجز مقعدا في الجنة لأتباعه، ودركات سحيقة من الجحيم لمخالفيه، فتباعدت المسافات بين المسلمين، وضاقت فرص التلاقي والاتصال، واستحال التعصب والتمايز المذموم إلى بنىً معرفية ترتكز في الشعور، وقيم سلوكية تتحرك في الواقع، وفرقة نفسية تغذيها النخب، وتسعى للحفاظ عليها تيارات في المجتمع. وفي جانب آخر؛ تبنت السياسات تيارا أو اتجاها فكريا مقربا، وضيقت واسعا على آخر، ووضعت القوانين التي تمنع الناس من الخروج عن مذاهبهم، فَحَدَّتْ من حركة الفكر الاجتهادي واختيار الرأي الحر المعتبر، وانتقلت الاجتهادات والمذاهب عن أن تكون أفهاما بشرية تناقش فتؤخذ أو ترد، إلى كونها التزامات دينية وسياسية معصومة، تتحدد بها سياسات دول، وتتقمص بها مجتمعات واتجاهات متميزة، فلا يستطيع من نشأ عليها الخروج عنها، فعطلوا الفكر، واغتالوا النظر، وأزموا الحقيقة باسم المحافظة على الحقيقة، وشوهت المسميات باسم الدفاع عنها. إن المشكلة ليست في الخلاف الذي قد ينشأ هنا أو هناك، وإنما في شخصنة هذا الخلاف، وعصبية الانتماء، والوصاية على الفكر، هو في التناقض الشديد بين ما يعلنه الناس عقيدة لهم، وبين ما يمارسونه في الواقع، فتحول الخطاب عبر وسائله المختلفة إلى فضاضة فجة، وعوامل فرقة، وتحريض ونكاية، وكأن هذا غاية ومقصد، فتدنى إلى أدنى مستوياته الأدبية، وانحط عن قيمه اللازمة التي دعا القرآن الكريم إلى التأدب بها، وعلق عليها صدق التقوى وكمال الإيمان. ثم الاختلاف في الحكم على هذا التناقض، إن الإشكال هو في الحكم على الناس، هل هم في الدائرة الإسلامية الواسعة السمحة، أم أنهم أخرجوا من الملة؟وفي هذه الدراسة أحاول وبإيجاز تلمس بعض المعايير والمعالم الكلية، والقواعد العامة حول التقارب والتواصل بين المسلمين، تحت عنوان (مرتكزات العلاقة بين المسلمين ومقوماتها) وهو محاولة في وضع بعض الأطر المساعدة على إزالة العوائق العملية في سبيل تحقيق التقارب، وإدامة التواصل بين المسلمين، وقد جعلت الدراسة على مبحثين:الأول: أدرس فيه مرتكزات العلاقة الوحدوية بين المسلمين.الثاني: مقومات التكامل الوحدوي بين المسلمين. والله الموفق.