التسامح في بعض الحضارات القديمة

Abstract

الخاتمةلقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج التي تتمثل بما يلي:- ليس التسامح من المفاهيم التي تدخل في الإطار الأخلاقي النظري فقط كما يتصور البعض بل أنه وكغيره من كثير من المفاهيم والمصطلحات، يدخل أيضا في إطار الفكر والفلسفة والممارسة العملية.- لا يعني التسامح وفقا للمفهوم الكلاسيكي التنازل عن الحق أو اللامبالاة وعدم الاهتمام واللين والتساهل، بل أن مفهومه المعاصر يعني الاعتراف بالآخر وقبول تنوعه واختلافه (سياسيا، دينيا، قوميا، فكريا، ثقافيا، حضاريا)، لأن الاختلاف سنه كونية عامة بحكم التنوع العالمي والإقليمي والوطني والذي هو سمة عامة تعيشها وتتعايش معها كل المجتمعات والدول فكل مجتمع وكل امة وكل دولة لها قيمها وعادتها وتقاليدها وثقافتها وأهدافها الخاصة بها بما يجعل التسامح ليس مجرد حق لصاحبه بل واجب عليه أيضا لضمان التعايش السلمي والتفاعل الايجابي بين الناس بما يتناسب ومبدأ النسبية وعدم وجود الأحادي والمطلق في كل ما هو أنساني واجتماعي.- إن الحوار وسيلة أساسية للتسامح فلا يمكن أن يكون هناك تسامح دون وجود آلية للتفاهم وتبادل الآراء بما ينتهي بالإقناع والاقتناع وقبول الأخر والاعتراف به أو بخصائصه المميزة، ولكن ليس بصورة دائمة فالحوار وسيلة لتحقيق التسامح لكنه لا ينتهي بالضرورة بتحقيق التسامح ما لم توفر المقومات اللازمة لذلك.- إن التأكيد على التسامح لا يعني الإيمان به وممارسته دون قيود أو شروط، فالمتعصبين والمتطرفين الذين يلجأون إلى العنف والقوة لإسكات الآخرين أو حتى إلغائهم وإنهاء وجودهم، لا يمكن التسامح معهم لان التسامح مع اللامتسامحين يقضي على التسامح نفسه بما يجعل للتسامح حدودا تعيّنها ظروف المجتمع أو الجماعة أو الحركة المتسامحة.- إن للتسامح أنواعا متعددة ومتنوعة تتراوح ما بين:- تسامح ايجابي موضوعي جوهري وتسامح سلبي شكلي مظهري، فالأول يقصد به الاعتراف بالآخر وقبوله عن قناعه بهذا التنوع والاختلاف وإيمان بضرورة التعامل والتعايش معه سلميا، ويأتي الثاني لا عن القناعة بالاختلاف وقبوله بل لأسباب مصلحية وظروف اضطرارية.- تسامح تمتد حدوده إلى الخارج فهو تسامح خارجي، وتسامح يقتصر على البيئة الداخلية ولا يتعداها إلى الخارج.- تسامح دائم أو مؤقت، حيث يكون مستمراً غير منقطع سواء أكان تسامحا ايجابيا أو سلبيا، مطلقا أو محدودا، خارجيا أو داخليا، كليا أو جزئيا، أو يكون مؤقتا لمدة معينة ينقطع بعدها.- تسامح مطلق عام أو خاص محدود، فالأول يشمل الجميع ولا يستثنى أحد، ويستثني الثاني دولة أو قومية أو دينا أو طائفة أو حزبا ما أو أكثر.- تسامح كلي مطلق يشمل بحدوده كل الموضوعات (سياسيا، دينيا، اجتماعيا، فكريا)، أو تسامح جزئي نسبي يقتصر على موضوع أو أكثر من موضوعات التسامح ولا يشملها كلها.- لقد عرفت الحضارات القديمة التي تمت دراستها أنواعا متعددة ومختلفة من التسامح كمفهوم قائم على الاعتراف بالآخر المختلف من الناحية الدينية والاجتماعية والسياسية والقبول به والتعايش معه سلميا.- إن وجود الديمقراطية البدائية في وادي الرافدين يدل على وجود التسامح السياسي الايجابي الداخلي فيها، لكن تحول تلك الديمقراطية إلى سلطة مركزية مطلقة، وجنوحها نحو الاستبداد يعني أنه كان تسامحا ايجابيا سياسيا مؤقتا، أما الاعتراف بالمرأة وإعطاء العبيد الكثير من حقوقهم فيدلان على التسامح الايجابي الداخلي الاجتماعي، لكنه تسامح محدود لأنه لا يشمل جميع النساء.- عرفت الحضارة الهندية (البوذية) التسامح الايجابي الداخلي والخارجي، والاجتماعي خاصة تجاه الآخر المختلف جنسوياً (المرأة)، وعرفت الحضارة الصينية (الكونفوشيوسية) التسامح الايجابي الداخلي والخارجي العالمي.- عرفت الحضارة اليونانية التسامح الداخلي والنسبي الاجتماعي والديني، ولكنه لم يكن تسامحا سياسيا لاستثنائها النساء والعبيد من حق المشاركة السياسية.- عرفت الحضارة الرومانية التسامح الديني وليس التسامح السياسي أو الاجتماعي فكانت المرأة مهمشة وتعاني من التمييز واللاتسامح (السياسي–الاجتماعي والديني) وكذلك الطبقة العاملة عانت من الإقصاء والتهميش (اللاتسامح) الاجتماعي, وعانى العبيد من اللاتسامح السياسي، وإذا ما تمتعوا بنوع من التسامح أو الاحترام والقبول الاجتماعيين، فإنه كان مؤقتاً (مرحلياً) كما هو الحال مع التسامح الديني في الحضارة الرومانية الذي كان هو أيضاً تسامحاً مؤقتاً ومرحلياً ويمكننا أن نصف التسامح الروماني بأنه تسامح (جزئي/ديني) وليس مطلق أو شامل وهو مؤقت (مرحلي) وليس دائمي.