الحوار الحضاري مع الآخر عند الإمام موسى الكاظم ()

Abstract

إن أهم ما يمكن أن تقدمه دراسة هؤلاء الأعلام، تسليط الضوء على معالم الفكر الإسلامي الأصيل الذي مثل أنموذجاً رائعاً في معالجة أحوال المجتمعات الإنسانية، من خلال واقعيته واحترامه للإنسان الذي عده أفضل المخلوقات وأسماها، فضلاً عن كونهم المنبع الأساس للمعلومات التي أوردها كبار المفكرين والعلماء المتقدمين. ويقف في طليعة هؤلاء الأعلام الإمام موسى الكاظم ()، بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي السجاد بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام أجمعين)، الذي ولد في الأبواء سنة (128هـ)، وأستشهد سنة (183هـ) في مدينة بغداد ودفن في الكاظمية حيث مزاره الشريف اليوم، وبذلك عاصر أربعة من الخلفاء العباسيين، هم: أبو جعفر المنصور (136-158هـ)، المهدي (158-169هـ) الهادي (169-170هـ) وأخيراً هارون الرشيد (170-193هـ)( ).كُلف الإمام الكاظم () بمهام الإمامة في مرحلة حرجة من عمر الدولة العربية الإسلامية، إذ تراجعت دولة بني العباس الفتية عن وعودها بإنصاف الناس وتحقيق الأمن والسلام، واختلطت العناصر العربية بغيرها من الأمم، ما أدى إلى انحراف المنظومة الأخلاقية لأفراد المجتمع، وظهرت تيارات فكرية متنوعة، فانبثقت الفرق والملل الدينية والمذاهب الإسلامية، فتشعبت الأمة إلى طوائف كثيرة وقع بين أفرادها الخصام والجدل حول مسائل كثيرة، منها: خلق القرآن، وصفات الخالق، والقضاء والقدر، ومسائل الغيب والثواب والعقاب، ودور العقل في الوصول إلى الحقيقة والدين، وهذه الظروف والمشكلات المعقدة أثقلت كثيراً مهمة الإمام ()، إلا انه عالجها بتطبيق الشريعة الإسلامية واعتماد حوار حضاريا بناء مع الآخر، بتوظيف مهاراته المعرفية والإدارية في حل الأزمات. وخلال العصر الحديث وبعد تراجع مبدأ الوصاية وهيمنة الأقوى، تنبه قادة المجتمعات إلى أهمية الحوار الهادف في حل الأزمات بأنواعها وتخصصاتها كافة ولمسوا نتائج الإمام () المثمر، لذلك تطور كثيراً هذا الفرع من العلم، وأصبح أحد أهم فروع علم الإدارة الذي يتخصص به الموهوبون وذوي المهارات الفائقة والمتنوعة، وأضحى الخبراء في هذا المجال يحتلون مراتب متقدمة في إدارات الدول والمؤسسات الكبرى في العالم.ولضرورة فهم أساسيات منهج الحوار الحضاري البناء مع الآخر في الفكر الإسلامي الأصيل الذي مثله الإمام الكاظم (), لغرض الإفادة منه في حل الأزمات الراهنة، كسياسة الإقصاء والاضطهاد والتهميش، التي تُعد أحد أهم أسباب تفكك الأمم وزوال حضاراتها، ولأجل إثبات ريادته () وبيان منهجه في هذا المجال، من خلال محاولة الإجابة عن جملة أسئلة أهمها: ما الأسس المتبعة عند الإمام الكاظم () في الحوار؟ وما المبادئ التي اعتمدها في التعامل مع الأحداث الجِسام؟ وكيف سخّر الظروف لتحقيق مصلحة عامة أو فك مأزق ما؟ جاءت محاولتنا البحثية هذه الموسومة (الحوار الحضاري مع الآخر عند الإمام الكاظم).ولتنوع موضوعات حوار الإمام () مع الآخر وظروفه، واختلاف أساليبه وتنوعها، اقتضت الضرورة تقسيم البحث على محاور سبعة، صدرناها بهذه المقدمة، وخصصنا المحور الأول لتوضيح مفهوم الحوار الحضاري مع الآخر، وبحثنا في الثاني أصول الحوار وآدابه مع الآخر في القرآن الكريم، واستعرضنا في المحور الثالث حوار الإمام الكاظم () مع أئمة المذاهب الإسلامية وعلماء أهل الذمة، وبينا في المحور الرابع حواره () مع مسؤولي الدولة العربية الإسلامية من خلفاء ووزراء وقضاة، وجعلنا المحور الخامس لحواره () مع أهل المعاصي والخارجين عن جادة الحق والصواب والمناوئين له، وقفينا البحث بخاتمة تضمنت استعراضاً لأهم الاستنتاجات.