توظيف النص القرآني في فلسفة ابن سينا من التفسير والتأويل إلى الواقع

Abstract

النص القراَني هو محور العلوم الدينية وموضوعها، بل هو أخص خصائص الدين، ولن نبالغ إذا قلنا أن النص القراّني هو الأصل المركزي الذي دارت حول محوره كل أفانين المعرفة التي أنتجها الفكر الإسلامي، سواء تعلقت هذه المعارف باللغة أو بالفقه أو بأصول الفقه أو بالتفسير أو بالتصوف أو بعلم الكلام أو بالفلسفة. ذلك أن اللغويين والفقهاء والمفسرين والمتكلمين والفلاسفة المسلمين كانوا كلهم يصدرون فيما أنتجوه عن مقصد يروم إيجاد صلة بين المعقول والمنقول، رغبة منهم في أن يبقى للنص مقامه المرجعي، وفي أن يبقى للعقل مقامه المعرفي .إذا كانت الفرق والمذاهب الإسلامية قد اتجهت نحو النص القرآني تستل منه سنداً وتجد فيه- بالإضافة الى الحديث النبوي، كأدلة سمعية في قبال الأدلة العقلية- دليلاً على صحتها وصدق مراميها واتجاهاتها، فإن ابن سينا اتجه إلى النص القرآني ليشهده على صدق فلسفته وصوابية مفاهيمه( ). إذ كان يمثل في ذهنه نزعتان: ديانته للقراَن وما حفظه له في حداثته منه إلا دليل على ذلك، وحبه للفلسفة وحرصه على سلامة ما جاء فيها من آراء. فكان من الطبيعي أن يحرص على التوفيق بين نصوص القراَن والنظريات الفلسفية. وكان عليه في سبيل ذلك أن يسلك أحد مسلكين وهو يتصدى لتفسير الآيات القرآنية: أ- أما أن يؤول النصوص الدينية والحقائق الشرعية بما يتفق مع الآراء الفلسفية، ومعنى هذا إخضاع تلك النصوص إلى هذه الآراء: تسايرها وتتمشى معها( ). ب- وأما أن يشرح النصوص الدينية والحقائق الشرعية بالآراء والنظريات الفلسفية، حيث تطغى الفلسفة على الدين.وفاء لنهجه الفلسفي، سلك ابن سينا المسلك الثاني: فسَّر النصوص الدينية، فلسفها، عقلنها وحكَّم فيها رأيه في آراءه الفلسفية ومقولاته المنطقية. وكان ذلك تمشياً مع " في أن الوحي ماهو إلا رموز وإشارات أشار بها النبي الى حقائق تدق على إفهام العامة، وتقصر عقولهم عن إدراكها. فرمز اليهم بما يمكن أن يدركوه وأخفى عنهم ما يستعصي على إدراكهم"( ) . انطلاقاً من ذلك نظر أبن سينا الى النصوص القرآنية، واستناداً على ذلك فسَّر سوراً وآيات من القراَن تحاكي آراءه، فعقلنها وأسقط عليها مفاهيمه الفلسفية، فكان ذلك اتجاها آخر في التفسير، يضاف الى الاتجاهات المعروفة( ).