الذاكرة المضادة تحولات الكتابة في الرواية العربية الجديدة

Abstract

هل وصلت الرواية العربية إلى خانقها الضيّق، خانق حياتها الذي لم تعد قادرة معه على أن تمنح إنسانها فرصة للفعل والمواجهة والصراع، بعد أن غدت الحياة نفسها دوراناً متصلاً في حلبة مغلقة حُسم الصراع داخلها مسبقاً، بعد سيل من الاجهاضات المتوالية التي يقف على رأسها إجهاض مشروع التحديث العربي، وقد أضعفت ـ هذه الاجهاضات ـ الجسد العربي مثلما بددت أحلام إنسانه وخلخلت ركائزه إلى حد كبير ووصلت بمقاومته إلى درجة بات معها من السهل العودة به إلى مرحلة ما قبل الدولة، فلم يعد همُّ الرواية العربية اليوم موصولاً بهمومها في مرحلة التأسيس التي بلغت ذروتها مع ثلاثية نجيب محفوظ وقد عملت على تأويل انهيار سلطة الأب والتفكير بميلاد الابن المستقل، والأحفاد ذوي النزعات الحرة والاجتهادات المتضاربة(1)، كما لم يعد موصولاً بتطلعها إلى مستقبل إنسانها في زمن تحكمه وتتحكم به إرادات متقاطعة كما في رواية الستينيات التي عملت على إعادة صياغة إنسان نجيب محفوظ كي تمنع عنه راحة المقبرة وتتركه معلقاً على صليب الحياة(2). إن ما حدسه كتاب الستينيات من مستقبل لا يبشر بالطمأنينة وما عملوا على تمثله في خطابهم الروائي هو ما يجده كتاب الرواية اليوم واقعاً شديد الوطء، اتخذت القسوة فيه أشكالاً مبتكرة، كأن مجتمعنا العربي لا يتفوّق في شيء قدر تفوقه في إنتاج القسوة وتجديد أشكالها! فقد تراجع الابن مختنقاً باختناق الطبقة الوسطى في مهرجان الصعود والنزول غير المحكوم بمنطق سوى منطقه الخاص، منطق الهمجية التي اقترحت أعرافها بدائل لقوانين مجتمع مدني لم يؤت له أن يتشكل على نحو مكين، كما لم يعد مفهوم الإرادة بتحققاته الصعبة يشكل معاييره في إنتاج وتوجيه الخطاب الروائي في عالم لم يفقد مصداقيته فحسب، بل فقد، وذلك أخطر ما فيه، منطقيته، لتتجاوز الرواية التناقض القديم بين الذاتي والجمعي، بين الفرد والمجتمع، وهي النزعة التي دارت أصلاً ضمن البعد الإنساني للحداثة، منقادة نحو تيه يتعادل غياب المرء فيه داخل نفسه مع غيابه خارجها، ليمكن أن نستعيد مقولة ماركس الشهيرة وهي تنظر إلى طبيعة العلاقة بين الوعي والحياة "ليس الوعي هو الذي يحدد الحياة، بل إن الحياة هي التي تحدد الوعي"(3)، لتصبح من منظور الهدم والبناء في حيز الثنائية نفسها: ليس الوعي هو ما يبني الحياة، بل إن الحياة هي التي تهدم الوعي.