أسلوب الاستفهام في شعر الأعشى دراسة بلاغيَّــــة

Abstract

المُلخّص: الاستفهام :أسلوب نحوي , بلاغي, والمُراد به :طلب الفهم بشيء لم يكن معلوماً ساعة الطلب, والاستفهام له أدوات خاصة يعرف بها وهي ( الهمزة ,وما ,ومن ,وأي, وكم ,وكيف , وأين , وأنى, ومتى , وأيــــَّـان ) وهذا الاسلوب النحوي يتداخل مع الاسلوب البلاغي , بيد أنّ التناول النحوي يكون مقصورا على الموضع النحوي , أمّا التناول البلاغي فيسعى إلى استكناه الدلالة القابعة خلف الاسلوب الاستفهامي , ـ بمعنى آخر ـ فهو يمخض الدلالة المجازية التي تتنوع حسب المقصدية وطبيعة السياق الذي أتت فيه , وموضوع البحث : هو دراسة الاسلوب الاستفهامي في شعر الأعشى ،ذلك الشاعر الجاهلي الذي له من المكانة مالايخفى أثرها, وقد جاء الرصد البلاغي لأساليب الاستفهام عند الشاعر مبنياً على أساس إحصائي ؛ كي تكون النتائج مبنية على أساس علمي ومنهجي يقترب من الدقة وقد تبين أنّ الشاعر يستخدم بعض الأدوات بكثرة على حساب الأدوات الأخرى مثل (الهمزة , وهل , ومن ) على حساب الأدوات الاستفهامية الأخرى , وقد علل الباحث طبيعة الاستخدام المتقدمة ـ بعد الرصد لنماذج متنوعة منها وفي الأغراض المتعددة ـ بسبب قدرة هذه الأدوات على استيعاب المدّ الانفعالي الذي قد يداهمه وقدرتها على التنفيس عن خبايا نفسه , أو استجابتها للسياق الذي يحـمل الدلالا ت المتنوعة , لتعمل معاً على إيصال الدلالة إلى المتلقي. وكان هم الدراسة الوصول إلى قدرة الشاعر الأعشى على استغلال الأسلوب الاستفهامي في التعبير عما يختلج في نفسه من مشاعر وأحاسيس متنوعة فكان الاسلوب الاستفهامي الملاذ القادر على استيعابها, وقامت الدراسة برصد قوة الأداة الاستفهامية ,ومدى توافقها مع قصدية الشاعر . وجاء الرصد ليمثل التداخل بين أدوات الاستفهام , وكيفية الدلالة المنبثقة من التداخل , كذلك تم الولوج إلى المعاني المجازية التي يخرج إليها أسلوب الاستفهام في شعر الأعشى . وقد وجد الباحث أنّ الأعشى يخرج بالاستفهام إلى معاني مجازية كثيرة , رصد أغلبها ومنها: الانكار, والتوبيخ , والتقريع, والتدله , والفخر والارشاد... وهذه الأساليب كانت منبثقة من طبيعة نفس الشاعر التي توجه الخطاب إلى شيء معين بغرض التنفيس, أو الترويح عن النفس بعد إلقاء الدفقة الشعورية كاملة إلى المتلقي , كما إنّ للخروج المجازي عند الشاعر الأعشى قدرة على إشراك المتلقي في حيثية الدلالة ؛ إذ يجعل منه متابعا جيدا , ويجعله متحفزاً من أجل سبر الدلالة القابعة خلف الدلالة المجازية ؛ ليحصل على اللذة الفنية. وفي النهاية فإن البحث حصد نتائج من أهمها: أنَّ أسلوب الاستفهام عند الأعشى كان بمثابة الملاذ الذي يُشرك به الشاعر نفسه مع المتلقي محاولا استكناه العوالق التي تمر بذهنه فيُصدم بها أو يعجز عن فك ابهامها . وقد كان أسلوب الاستفهام المحرك العاطفي القادر على اجتذاب المشاعر المتلونة في حالات الشاعر المتنوعة: من غزل ,أو مدح ، أو هجاء, أو تأسٍ, بمعنى آخر فهو وسيلة فرش قادرة على جذب الأطر الأخرى من خلال إسبار العاطفة في عمق الإستفهام الطالب للتأمل والوقوف على حدث له من الأهمية عند الشاعر. وإنَّ للإستفهام قدرة على مدِّ زمنية النص ـ إنْ صح التعبيرـ عن طريق إشراك المتلقي في البحث عن المدلولات الماورائية القابعة خلف مجازية الاستفهام , و له كذلك قدرة في تسريع الزمنية خاصة في مواقف الشدة والسرعة التي لايراد بها الجواب بقدر ما يراد بها لفت المخاطَب وشدة انتباهه بضرورة الاسراع لعمل معين أوتركه . وكان وراء إيراد الأدوات الاستفهامية عند الشاعر بواعث نفسية قد تكون ملحة فلذا ـ وكما تقدم ـ شاعت عنده الأداة الهمزة لتشكل الجانب الأعم وذلك لمناسبتها للسرعة والشدة في المواقف المتنوعة, لتكشف عن شدة عاطفة الشاعر , ورهافتها في الفرح والحزن والهوى والألم. و كان الشاعر لايعتمد على بنية الاستفهام فقط في ايصال الدلالة بل كان يسعى إلى جعل البنى النحوية الأخرى متلازمة مع الأستفهام وخادمة له مثل أسلوب الأمر أو النداء أو الحذف ليضع كل ذلك في بوتقة تعتصر النص لتزيح الدلالة المراد بثها إلى المتلقي.